أمـة محمـد و بنى إسرائيل

 

ميلاد الرحمة المهداة

ولد محمد صلى الله عليه و سلم فى عام الفيل و هو العام الذى حمى الله بيته المحرم من ابرهه الحبشى الذى توجه بجيش جرار يتقدمه فيل مدرب على القتال الى مكة يريد هدم الكعبة فهزمهم الله و انزل عليهم العذاب و سلمت مكة و سلمت الكعبة لتكون قبلة امة هذا المولود المنتظر فى اخر حادثة عذاب اهلك الله بها قوم قبل مولد رحمته المهداة مولد محمد صلى الله عليه و سلم

 

مات عبد الله والد محمد قبل ان يولد و ماتت امه امنة و هو ابن السادسة ثم مات جده عبد المطلب و هو ابن الثامنة فتبناه عمه ابى طالب و هو من اشراف قريش و لكنه كان قليل المال و عنده من الابناء عشرة

فنشأ صلى الله عليه و سلم يتيم الأب و الام و الجد لا أخ له فعمل محمد و هو صغير برعى الغنم ثم عمل بالتجارة

ثم تزوج السيدة الشريفة خديجة رضى الله عنها و كان يقوم لها بتجارتها فتزوجها و هو ابن الخامسة و العشرون و كانت تكبره بخمسة عشر عاما و كانت رضى الله عنها سيدة راجحة العقل رقيقة المشاعر أحبت رسول الله و تزوجته و هو شاب فقير

 

لم يجد محمد الفرصة لتعلم القراءة و الكتابة فلم يقرأ كتابا و كان يتيما فلم ينشأ بين أب و أم يقوموا برعايته و لكنه ادبه ربه فاحسن تأديبه فكان علمه و خلقه إلهاما من عند الله فكان اعظم ما يكون

 

كان صلى الله عليه و سلم شاب عظيم الخلق شديد سواد الشعر شديد لمعانه كأنه مرآة ينعكس الضوء عليها , كان صحيح الجسم يكشف ثوبه عن ساعد قوى عريض الرسغ مستوى البطن و الصدر (ملفوف القوام) تكسوا وجهه مهابة و وقارا كأعظم ملوك الارض لو رايته فلابد ان تأخذك منه هيبة و لو اقتربت منه و تعاملت معه وجدت لينه و عظيم خلقه

اشتهر بالكرم و الصدق و الامانة و كان عظيم الحياء و كان شهما فطنا حسن الصوت , مباشر النظر كأنه ينظر الى قلبك و يقرأ ما فيه , كان سهل الحديث تعرف بلاغته و اسلوبه السلس فى الكلام على عكس قومه فى ذلك الوقت

كان صلى الله عليه و سلم رجلا بكل معنى الرجولة فكان قوي العزيمة يسعى الى هدفه مهما كان شاقا فكان يشقى من اجل امته و لا يبالى و كان يعين المحتاج و يسعى فى حاجات الآخرين

و كان عظيم النشاط وجهه قد لفحته الشمس لا يرى بياضه إلا إذا انكشف الثوب عن جزء من جسده فكان يسعى طوال يومه فاذا جن الليل اقام الليل و شكر الله

وكان ودودا تشعر انه قريب منك اذا نظرت اليه ابتسم و اذا اطلت النظر ادار وجهه خجلا و كان سريع الضحك محبا لاهله حتى استطيع ان اقول انه كان محبا لاعدائه فها هو يدعوا الله اللهم انصر الإسلام بأحب العمرين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام رغم ما وجده منهما من اشد العداء فلم يحمل قلبه لهم ضغينة و يحب ان يضع يده فى يدهم فهدى الله عمر بن الخطاب و كان خلقه نصرة الاسلام بدعوة محمد صلى الله عليه و سلم و لم يدعوا على قومه رغم ما لاقاه هو و اتباعه منهم من العذاب و الحصار و الحرب فكان يدعوا اللهم اهدى قومى فانهم لا يعلمون و يأمر اتباعه بالصبر على أذاهم و هو بالطبع يحبنا و نحبه

 

و رغم ان جميع أهله كانوا يعبدون الاصنام و يقدسونها تقديسا شديدا يبذلون من اجلها النفس و المال معتقدين انها هى التى تقربهم الى الله فلم يعبد صلى الله عليه و سلم صنما قط و لكنه توجه الى الله مثل ابيه إبراهيم بقلب سليم  و اختلى بنفسه يتفكر فى الله و يبحث عن الهداية إلى الله فى مكان منعزل وعر كأنه أراد ان يحتمى فيه من رجز اهل مكة و سؤ عملهم فى ذلك الوقت فاتجه الى غار حراء

 

نزول الوحى على خاتم المرسلين

و عندما اتم محمد (ص) عامه الأربعين و فى ليلة القدر من شهر رمضان و هو يتعبد فى غار حراء و فى هذا السكون يتنزل عليه  وحى من السماء جبريل عليه السلام و تتنزل عليه اول آية من القرآن الكريم

فقال له اقرأ فقال له الصادق الأمين ما أنا بقارئ

فضمه جبريل واعاد عليه الأمر ثلاثا و رسول الله يهتز بقوة و يقول ما انا بقارئ فيضمه جبريل و يقول له

 

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) سورة العلق

 

سيقرئك الله يا محمد فأنت القارئ و أنت رسول الله فالعلم من الله و رسالتك  يا محمد ستكون فى كتاب كريم  من الله هو القرآن مهيمنا على ما قبله من الكتب و فيه رحمة للعالمين و سيقرأ إلى يوم القيامة لان الله تكفل بجمعه و قرأنه

 

و الغريب ان رسول الله لم يقرأ كتابا و لكنه اخبر قومه عن اخبار الامم السابقة و الانبياء السابقون و يعلم أعمارهم و بلادهم و صفاتهم و كلمهم عن السلوك الطبى و الأطعمة الشافية  و خلق الكون و الأمم القادمة و عن الكثير فمن اين له هذا العلم ؟

 

سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) سورة الأعلى

 

هيبة الوحى اثرت اعظم الاثر على رسول الله فذهب الى بيته و جسده يرتجف بشدة و لا يعلم كيف يهدئ من نفسه كأن جسده لا يطيعه فيقول لاهله زملونى زملونى فبداية الوحى تكون ذات هيبة عظيمة لا يحتملها عامة البشر حيث التقى الجسد البشرى بالملأ الأعلى و هو مستوى نورانى اعلى من ان تتحمله اجسادنا خاصة سيد الخلق و هو الأقرب الى الله

 

و توالى نزول القران بعد ذلك و نزلت الايه الكريمة

 

يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) سورة المدثر

 

قم يا محمد انذر الناس و اصبر من اجل الله فماذا سيفعل خاتم الرسل لاداء الرسالة فمنطلق الرسالة هم قوم من الأميين عبدة اصنام لا يعلمون ما هو البعث و ما الحساب و لا تدركه عقولهم

و هو فيهم عالى المنزلة و لكنه قليل المال بسيط الثياب ليس له سلطان فان عادته قريش و ارادوا قتله تعصبا لدينهم فليس له اب او اخوة او ابناء يقدرون على منعه فيسهل معاداته و قتله مثلما اصبحت العادة اخيرا مع انبياء بنى اسرائيل

فكيف يحمى نفسه وسط اناس لا يعرفون الا قانون السيف و زين لهم كفرهم القتال فكان ضرب الرقاب عندهم مفخرة و فضيلة , فهل يرفع سيفه و يقاتلهم و يمنع نفسه بالقوة ؟ فهذا لا يليق به و لا يستطيع انسان وحيد مواجهة قبائل بدون قوم يمنعوه فان تخلى قومه عنه فانه مقتول لا محالة فكيف يضمن حماية قومه بنى هاشم له و هم ايضا من المتعصبين لدينهم؟؟

و هو فى ذلك لا يخشى على نفسه فما الذى يجعله حريصا على الحياة و الاخرة خير له و لكنه يخشى على قومه من غضب الله فتنزل عليهم سنة الاولين من العذاب مثل قوم عاد و ثمود و فرعون و هذا ما لا يريده رسول الله ابدا و يخشى على رسالته الخاتمة التى لابد له ان يكملها حتى يكون هناك فى الارض نور وسط هذا الظلام و حتى يكون هناك صلوات و اعمال صالحة ترفع الى السماء

 

وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) سورة لقمان

 

و هناك ليس بالبعيد بنى إسرائيل فى سلاحهم وحصونهم و هم قوم حسد مدبرى المكائد و قاتلى الانبياء و قد اصبح قتل الانبياء الذين ليسوا على هواهم سنه فى بنوا اسرائيل الذين بدلا من ان يحموا انبيائهم تآمروا عليهم فماذا سيفعلون معه و هم ينتظرون ان يأتى النبى الخاتم منهم فأن تمكنوا منه فسيقتلوه دون تردد حتى لا يتم رسالته

  

انه حقا امر ثقيل لا يقدر عليه الا اولى العزم من الرجال خير خلق الله و آخر رسل الله الى العالمين

 

بداية الدعوة

بدأ رسول الله دعوته سرا بدعوة المقربين اليه و اصحابه و عشيرته فامن و اتبعه بعض من خيرة القوم مثل السيدة خديجة رضى الله عنها و على بن ابى طالب و ابو بكر الصديق و عثمان بن عفان و سعد بن ابى وقاص و ابو عبيدة بن الجراح و استمر بالدعوة الى ان امن معه عدد قليل فى العدد و لكنهم من خيرة القوم الذين يعلم حسن اخلاقهم و اخلاصهم

الان هناك من يؤمن  مع رسول الله و بسانده فبدأ بالجهر بالدعوة فوقف صلى الله عليه و سلم على جبل الصفا و جمع الناس و اعلمهم انه رسول الله اليهم فسخروا منه و تناسوا انه الصادق الامين و كذبه عمه ابو لهب و عاداه جهرا فقال له تبا لك الهذا جمعتنا و تصرف عمه كان شديد الخطورة فالعداء ليس من قريش او بنى هاشم و لكنه من عمه و لكن من حماه فى هذه المرحلة عمه ابى طالب و كان كبير بنى هاشم

رغم صعوبة الموقف على هذا الرجل الكريم  فقد انتقل بالدعوة الى العلانية و اصبحت امرا واقعا فالان قريش تعلم ان محمد صلى الله عليه و سلم يدعوا الى الدين الجديد و سيحاربونه حربا لا هوادة فيها و لكنه الان يمكنه التحرك و دعوة مزيد من الناس الى الاسلام

ففى اول بعثته سألت قريش محمد ان يأتيهم بآيه حتى يتأكدوا انه نبى فانشق له القمر باذن الله الى شقين متباعدين تماما كأن كل شق على جانب من جبل حراء فى ايه رآها القاصى و الدانى من اهل مكة و ضواحيها و البعض الاخر رأوا شق القمر و الشق الاخر ستره الجبل عنهم على حسب موقعهم من الجبل (مثل البناء الذى يحجب عنك القمر) مما يعنى انهم كانوا متوزعين من حيث المكان مما لا يجوز معه السحر و لو كان سحرا لرأوه جميعا كشقين (و الا كان سحرا ثلاثى الأبعاد كل على حسب موقعه) فقال لهم رسول الله اشهدوا فكذبوها فقالوا سحرنا محمد فانظروا القوافل فأن رؤوا ما رأينا فقد صدق فسألوا القوافل و قد قدموا من كل جهة فقالوا رأينا فقالوا لقد سحرهم محمد

 

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)  سورة القمر

 

حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن شعبة، وسفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال:انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا.(البخارى و مسلم)

حدثني عبد الله بن عبد الوهاب: حدثنا بشر بن المفضل: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما.(البخارى و مسلم)

 

اقتربت الساعة و انشق القمر بالفعل أمام أعينهم فيغمضون أعينهم و يفتحونها و القمر قد انشق امامهم و يذهبون و يأتون و ما زال منشقا فكذبوا اعينهم و اصروا على اتهام محمدا بالسحر بل و ياللعجب سخروا من هذه الاية العظيمة

 

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) سورة الصافات

 

فاظهروا مادية غير مسبوقة و ما زالت قلوب قريش تريد ايات مادية فى متناول ايديهم و ليست فى السماء مثل الهتهم المادية التى يعبدونها و لن يؤمنوا الا بمثل هذه الاية فقالوا له

وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) سورة الإسراء

 

فلو رقى محمد الى السماء امام أعينهم فسيكذبوا أعينهم و لن يصدقوا لرقيه فلابد من شئ يلمسوه فهم قد حددوا الأية التى يريدونها فهم يريدون أية مادية فقط و لا يريدون ايات اخرى

 

و لكن الأمر يرجع الى الله سبحانه و تعالى و ليس الى محمد و قد رفض الله طلبهم و لن يأتيهم بمثل هذه الاية فهؤلاء القوم فى قلوبهم مرض و لابد لهم من الشفاء فليس هؤلاء هم خير امة اخرجت للناس الذين يريدهم الله ليحملوا رسالته الخاتمة انما يريد الله عبادا مخلصين له مؤمنين بالغيب و هذا اساس فى العقيدة الاسلامية فهل يمكن لهؤلاء القوم ان يشفوا مما فى قلوبهم من مرض ؟ و هل سيستطيع محمد ان يغير ما فى انفسهم ؟

 

اذن العرب لا يقدرون على التفريق بين السحر و الحقيقة و سيلقونه بسهولة بتهمة السحر

 

فسيأتيهم الله بما يفقهون فتوالى نزول القرأن على محمدا و تحداهم الله به و كانوا قوم ذواقين للشعر يفهمون معانى الكلمات و اهل بلاغة عالية لا توجد مثلها فى زماننا الحالى فكان حديثهم الشعر و السجع و كان القاء الشعر متعة الصبيان فى مهدهم يتبارزون بالشعر و المهزوم يتوارى خجلا من الهزيمة و كان المميزين من الشعراء عندهم اصحاب مكانة رفيعة

 

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) سورة البقرة

 

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) سورة الاسراء

 

ففقهوا الايه و استيقنتها انفسهم فهذا الكلام الذى لم يسمعوا مثله من قبل لا ياتى بمثله البشر و هم اعلم الناس بذلك و ليس لهم حجة و لكنهم استكبروا نصرة لملة ابائهم و لمنزلتهم الدينية بين العرب فلا يرضون ان تقول عنهم سائر القبائل ان قريش تركت ملة ابائهم و انهم كانوا فى ضلال حتى لو احبوا الاسلام وودوا لو كانوا مسلمين فعصبيتهم تمنعهم ان يسفهوا دينهم فصموا اذانهم و اغلقوا قلوبهم فها هم رؤوس الكفر مثل ابو جهل كان يحب ان يسترق السمع الى محمد و قد اعجبته بلاغة القرأن فكان يسمع القران و يحفظه فلماذا لم يؤمن ؟

و الوليد بن المغيرة يقول فى القرأن عندما ارادت قريش ان تدعى على محمد انه شاعر :

 

"و الله ان لقوله لحلاوة, و ان عليه لطلاوة, و ان اعلاه لمثمر, و ان اسفله لمغدق, و انه ليعلوا و ما يعلى عليه و ما انتم بقائلين من قولكم ذلك شيئا الا عرف أنه باطل, و ان اقرب القول فيه لأن تقولوا انه لساحر جاء بقول هو السحر يفرق به بين المرء و ابنه و بين المرء و عشيرته"

 

فكان يعرف انه على باطل و لكنه تكبر فنزل فيه قوله تعالى

 

ثُمَّ نَظَرَ(21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) سورة المدّثر

 

احتارت قريش و فشلت فى تحدى القرآن و توارى الشعراء خجلا فيتحداهم القران و لا يعرفون ماذا يقولون بل يهجوهم و هم عاجزين لا يعلمون ما يفعلون كيف يتحدون كتابا كل كلمة فى موضعها اعجاز

وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227) سورة الشعراء

 

فانزلوا المعلقات من على الكعبة بعد ان فقدت قيمتها امام القرأن و الناس يرددون القرأن كأنهم مسحورين

 

و لكن استمرت قريش فى محاربة محمد و صد الناس عنه فما من احد ياتى الى مكة الا و يقولوا له احذر محمدا و الا سحرك بكلامه و اشاعوا بين القبائل انه ساحر

و توالى نزول الفرقان على رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان نزوله مرتبطا بالاحداث الجاريه مما يزيد تثبيت قلوب المؤمنين و يجعلهم سريعى الاستجابه له و رغم نزوله متفرقا تبعا للاحداث فقد كان كتابا واحدا متوازنا محكما لا ياتيه الباطل كانه نزل مرة واحدة و هذه واحدة من عجائب القرأن و كذلك نزوله متفرقا تبعا للاحداث يدل على ان هذا الكتاب العظيم لم يتم اعداده على يد بشر من قبل

 

الذين كفروا يخرجون المسلمين هربا بدينهم من مكة

ازداد ايذاء قريش للرسول و الصحابه ايذاء شديدا فقتلوا بعضهم و عذبوا بعضهم و الاخرين محاصرين فى ديارهم لا يخرجون منها فامر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض اتباعه بالهجرة الى الحبشة هربا بدينهم و استقروا بالحبشه عند الملك الصالح النجاشى الذى اسلم و فشلت قريش فى صده عن المسلمين بعد ان بعثت مبعوثين اليه ليقلبوه على الاسلام فكان أول انتشار للاسلام خارج حدود الجزيرة

خشيت قريش ان تنتشر الدعوة رغما عنهم بعيدا عن متناول ايديهم فتكون الحبشة ملاذا للمسلمين و يكونون هناك قوة فاسرعوا بطلب محمد و لكن حماه عمه ابى طالب و اتبعته بنى هاشم فاستشاط غضب قريش فهم لا يريدون حربا مع بنى هاشم و هم فرسان قريش و لكنهم يريدون تسليم محمد اليهم ليقتلوه فتعاهدت القبائل على محاصرة محمد و بنى هاشم فى شعب ابى طالب لا يبيعون لهم و لا يتزوجون منهم و كتبوا ذلك فى صحيفة و حفظوها داخل الكعبة و استمر الحصار ثلاث سنوات حتى كرهت قريش الحصار فلا جدوى منه و ما هو الا فشل اخر لها فالدعوة مستمرة و هناك ايضا وازع اخلاقى طبيعى موجود لديهم بعدم الظلم و لكن كانت عصبيتهم اكبر فما كان من رسول الله الا ان اخبر قريش بمراجعة الصحيفة فان القرضة قد اكلتها  فوجدوا ان القرضة قد اكلتها بالفعل ما عدا كلمة بسمك اللهم و ساد الارتياح قريش بالغاء هذا الحلف

 

احس رسول الله بعد هذا الحصار ان قريش متعصبة الى دينها و دين ابائها تعصبا شديدا و لن يكون لها السبق فى تركه و الدخول الى الاسلام و لن تنتشر الدعوة ما زال بينهم فهم الاقوى و الاكثر حيلة و عدائهم له شديد و مما شق على رسول الله اكثر وفاة عمه ابى طالب و هو من كان يحميه فى مكة و كان يحبه كأبيه و قد حاول رسول الله ان يهديه الى الاسلام قبل وفاته فقال له "اى عم قل لا اله الا الله كلمة احاج لك بها عند الله" فكان عنده ابو جهل و عبد الله بن ابى اميه فقالا لابى طالب ترغب عن ملة عبد المطلب فما زالا يكلمانه حتى قال على ملة عبد المطلب و مات فوقفا فى طريق محمد حتى لهداية عمه و ما كانت الا كلمة يقولها

 و ماتت زوجته السيدة خديجة و هى من كانت تخفف عنه همومه وانيسته وسط هذا الجفاء من قريش

ظن رسول الله انه قد حان وقت الرحيل من مكة فذهب صلى الله عليه و سلم بصحبة غلامه زيد الى الطائف هربا من ايذاء اهل مكة و قد سار اليهم يطلب منهم الحمايه و الاسلام حتى تكون بلدهم منطلق للدعوة فكذبوه و صدوه صدا شديدا و اصطفوا صفين و رجموا الرسول الكريم و غلامه بالحجارة حتى سالت منهما الدماء فخرجا يجريان بحثا على ملجأ الى ان وصلا الى بستان فلجأ اليه و جلسا و اسند صلى الله عليه و سلم ظهره حزينا الى جدار و قد خارت قواه واحس رسول الله بالهوان و الضعف الشديد

و خشى رسول الله ان يكون قد اخطأ بترك مكة دون ان يأذن الله له و لكنه لم يترك الدعوة بل كان ينجوا بها من قريش فهو يبذل كل طاقته من اجل هذا الدين فهل كان هذا ذنبا فغضب الله عليه فتوجه الى الله مستغفرا فناجى صلى الله عليه و سلم ربه قائلا :

 

اللهم انى اشكوا اليك ضعف قوتى و قلة حيلتى و هوانى على الناس انت رب العالمين انت رب المستضعفين و انت ربى الى من تكلنى الى بعيد يتهجمنى ام الى قريب ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا ابالى أعوذ بنور وجهك التى أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة ان ينزل بى غضبك او يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة الا بك

 

و فى هذه الأثناء كان يستمع اليه غلام يدعى عداس فسأله ان هذه الكلمات لا يقولها اهل هذه البلد ؟

فساله رسول الله ما اسمك قال عداس فساله من اى بلد قال من نينوى فقال له رسول الله من بلد الرجل الصالح يونس بن متى فقال له اتعرفه فقال رسول الله نعم ذلك اخى كان نبى و انا نبى

ما اشبه دعاء رسول الله باستغفار يونس فانكب عداس على قدمى النبى الداميتين يقبلهما

 

رجع رسول الله الى مكة و استقر بها بعد ان امنه مطعم بن عدى وسط سخرية قريش

 

الإسراء

و فى هذه الظروف العسرة و فى يوم السابع و العشرين من رجب و رسول الله فى بيته فى مكة انفرج سقف بيته فنزل جبريل عليه السلام فاستلم روح الحبيب و فرج صدره فغسله بماء من زمزم ثم اتى بطست من الذهب ممتلئ حكمة و ايمانا فافرغه فى صدره ثم اخذ بيده فعرج به الى السماء روحا طاهرة مدركة تمام الادراك و ليس نائما و لكنه منزها عن الجسد و ما يحتويه حيث سيصل الى مستوى مقدس لم يصله بشر من قبل (منذ ادم قبل ان يقرب الشجرة) فعرج به الى السماء الدنيا فوجد ادم عليه السلام ثم عرج به و لاقى رسول الله الانبياء ادم و عيسى و ادريس و موسى و إبراهيم و فى عروجه من السماء الدنيا حتى السادسة و لم يذكر منازلهم الا ادم فى السماء الدنيا و إبراهيم فى السماء السادسة ثم عرج به صلى الله عليه وسلم الى مستوى يسمع فيه صريف الاقلام و وقف صلى الله عليه و سلم بين يدى الرحمن يغشاه نور الله فسجد و قال ما قال ثم فرض الله عليه خمسون صلاة فرجع الى موسى فقال له موسى ماذا فرض الله على امتك فقال فرض عليهم خمسين صلاة فقال له موسى فراجع ربك فان امتك لا تطيق ذلك فراجع صلى الله عليه و سلم ربه فوضع شطرها فرجع الى موسى و اخبره فقال راجع ربك فامتك لا تطيق ذلك فراجع ربه فقال له الله هى خمس و هى خمسون لا يبدل القول لدى فرجع الى موسى و اخبره فقال راجع ربك فقال قد استحييت من ربى ثم انطلق به جبريل حتى أتى الى سدرة المنتهى عند الجنة فغشيها الوان لا يدرى ما هى ثم ادخل الجنة فاذا فيها جنابِذ اللؤلؤ و اذا ترابها المسك

 

وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) سورة النجم

 

رجع رسول الله الى منزله فى مكة و قد فرضت عليه الصلاة و قد انشرح صدره و سعد بمنزلته عند الله و قد اقترن اسمه باسم الله فى الاذان يرتفع فى الارض الى قيام الساعة(و يقال ان الآذان نزل فى السماء و ليس عن طريق الرؤية لبعض الصحابة)

 

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) سورة الشرح

 

فأدى رسول الله صلاة العتمة (العشاء) فى المسجد الحرام مستقبلا بيت المقدس و كانت ليلة معتمة فى اخر الشهر الهجرى و بعد ان فرغ رسول الله من صلاته اتاه صديقه جبريل فى هيئته البشرية و اتاه بدابة بيضاء تدعى البراق و هى فوق الحمار و دون البغل فأدارها بأذنها فاخضعها لرسول الله و حمله عليها فانطلقت بهم تضع خطوها عند منتهى طرفها و كانت إذا أتت على جبل ارتفعت رجلاها وإذا هبطت ارتفعت يداها  حتى لا تميل بهم بهذه السرعة الهائلة فانطلقت حتى قال له جبريل انزل فصل ففعل رسول الله فقال أتدري أين صليت قال: الله أعلم، قال صليت بطيبة وإليها المهاجر ثم انطلقت ثم قال انزل فصل ففعل رسول الله فقال أتدري أين صليت قال: الله أعلم، قال صليت بمدين عند شجرة موسى (شجرة طور سيناء) ثم انطلقت ثم قال انزل فصل ففعل رسول الله فقال أتدري أين صليت قال: الله أعلم، قال صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام ثم دخل بيت المقدس فجمع له الأنبياء عليهم السلام فقدمه جبريل حتى أممهم ثم عند عودتهم مروا بعير لقريش و قد أضلوا بعيرا لهم فالقى عليهم السلام، فقال بعضهم لبعض: هذا صوت محمد؟

و فى الصباح و قد اشرقت الشمس بعد قيامه صلى الله عليه و سلم الليل و اقامة الصلاة المنزلة عليه فى كل الاراضى المقدسه قابله ابو جهل و رأى فى وجهه شئ فقال له ماذا وراءك يا محمد فقال له لقد أسرى بى الليلة الى بيت المقدس فقال له ارأيت ان جمعت لك القوم أتخبرهم ما تقول ؟ قال نعم فاجتمع الناس بجوار الكعبة عند حجر إسماعيل و اخبرهم رسول الله عن مسراه و اخبرهم عن القافلة التى اضلوا بعير لهم فمن المسلمين من ارتد عن دينه غير مصدق و ارسلوا الى ابى بكر فقالوا:
هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال:أو قال ذلك؟
قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق.
قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟
فقال: نعم، إني لأصدقه ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة.
فلذلك سمي أبا بكر: الصديق -رضي الله تعالى عنه

فاجتمعت قريش تسال رسول الله عن أشياء فى بيت المقدس لم يراها فكرب رسول الله كربا ما كرب مثله قط فرفع الله له بيت المقدس ينظر إليه لا يسألوه عن شئ الا اخبرهم به و يقول له الصديق صدقت

فكانت حادثة العروج الى السماء و الإسراء الى المسجد الأقصى خير للمسلمين و فاصلا بين مرحلة بدايه الدعوة و مرحلة الانتشار فرسول الله اصبح أقوى و عرف منزلته عند ربه و بعض ضعاف الايمان انفضوا من حوله و كان هذا خير له تمهيدا لهجرة الصفوة الذين لن يخذلوه الى المدينة و قد عرف رسول الله ان مهاجره الى المدينة و هى مجتمع يختلف عن مكة فهو مجتمع مضياف متسامح و هم ابناء اخواله و لكنهم مجتمع سهل الاختراق تنتشر فيهم الشائعات بسهولة و يسهل الوقيعة بينهم فستكون هناك مواجهات داخلية و لكن بشكل يختلف عن مكة بالاضافة الى ان قريش لن تسمح له بالهجرة و تكوين مجتمع مسلم فى المدينة و لكنه أمر الله و من المؤكد انه سينجح 

 

الهجرة

لم يذهب رسول الله بنفسه الى طيبة و يسأل اهلها الحماية كما فعل مع القبائل الاخرى قبل الاسراء و لكنه انتظر فى مكة و علم ان الله سيجعل له من بعد عسر يسرا فاتى اهل يثرب الى رسول الله بعد ان دعاهم للاسلام اثناء مواسم الحج فالف الله قلوبهم للاسلام و بايعوه بيعتى العقبة على ان يولوه امر يثرب و ان يسمعوا و يطيعوا له فاستجاب لهم رسول الله فهذا امر الله له و قد بشره جبريل فى رحلة الاسراء انه مهاجر الى طيبة

فشكل فريقا من اثنى عشرة رجلا لادارة شئون البلاد الى ان يأتى اليهم فكانت اول دولة اسلامية فى التاريخ هى المدينة المنورة و اول حاكم مسلم هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان الحاكم الحكيم العادل الزاهد المجتهد الذى لم و لن يعرف التاريخ مثله و لا تجوز المقارنة به لانه محمد نبى الرحمة

 

زادت الأعباء كثيرا على رسول الله فبالاضافة الى الرسالة و التبليغ فهناك واجب اخر و هو واجباته كحاكم مسئول عن تاسيس اول دولة اسلامية قوية وسط اقوام ليس عندهم قانون و لا يعلمون ما معنى الدولة

فيجب عليه الجمع بين نقيضين هما تسامح الانبياء المرسلين فلا اكراه فى الدين و هذه هى طبيعته و فطرته اللينة التى فطره الله عليها

و بين قوة الحاكم لحفظ النظام و الامن فى هذه الدولة الناشئة و هذا واجبه و عليه ان يجاهد نفسه و طبيعته اللينة ليقوم بواجبه

بدء المسلمون فى الهجرة من مكة الى المدينة و بقى رسول الله فى مكة و لم يعجل فخشيت قريش ان يهاجر محمد الى المدينة و ان يظهره الله عليهم فعقدت العزم على قتله

فعقد سادة قريش اتفاقا على أن يأتوا من كل قبيلة بفتى قويا و يعطوه سيفا مسموما و أن يحاصروا بيت محمد فان خرج من بيته ضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع بنوا هاشم الأخذ بثأره فتقبل الدية و لا تشتعل الحرب

فمكث رسول الله فى بيته محاصرا بمجموعة من السفاحين يحملون سيوفهم المسمومة و يريدون قتله فكيف له الخروج ؟

لم يحزن رسول الله و لم يخشى هؤلاء القوم و هو يعلم ان الله معه فهو مهاجر الى طيبة بامر من الله و لكنه لم يقصر او يتواكل فهو ليس عبدا خاملا فاعد لرحلته اعدادا جيدا قدر استطاعته بما يرضى ربه و يرضى فطرته و من ثم توكل على الله

فاتى رسول الله بعلى ابن ابى طالب لينام فى فراشه حتى اذا نظر اليه المحاصرون اعتقدوا ان رسول الله ما زال فى فراشه و وضع مع على الامانات التى عنده حتى يردها الى اهلها ثم خرج رسول الله من بينهم وقذف على رؤوسهم التراب و هم لا يشعرون به فاعينهم مفتوحة و لكنهم لا يرونه ثم توجه الى صاحبه ابى بكر ليكون رفيقه فى الهجرة

علمت قريش ان محمد قد خرج الى المدينة و ان هذا الفتى الراقد فى فراشه هو على بن ابى طالب فرصدت بجائزة مائة ناقه لمن ياتى بمحمد حيا او ميتا فانطلق شباب قريش بحثا على محمد للحصول على هذه الثروة

اتجه الرسول و ابو بكر اولا الى غار ثور ليستترا فيه حتى تيأس قريش منه و من ثم يتجه الى المدينة و بالرغم من ذلك وصل البعض من شباب قريش الى مكان النبى و صعدوا الى الغار ووقفوا امامه و هموا بان يدخلوه حتى ظن ابو بكر و هو شديد الغيرة على الرسالة ان كل شئ قد انتهى و حزن حزنا شديدا فقال له رسول الله و هو واثق تماما لا تحزن ان الله معنا فهو يعلم ببشارة جبريل له انه سيصل الى المدينة لا محاله فارسل الله العنكبوت فبنت بيتها على مدخل الغار و ارسل حمامتين و بنت عشهما لدى الباب فقريش تريد معجزة مادية من محمد اذن فقد انزلها الله لاضلالهم فقالوا كيف يدخل محمد الغار مع وجود بيت العنكبوت و عش الحمام لدى الباب فلا مجال يسمح بدخول انسان فلم يفكروا حتى فى النظر داخل الغار و انطلقوا يبحثون على محمد فى مكان اخر و نجا رسول الله و صاحبه

نصر الله رسوله و ايده بجنوده الى ان وصل الى المدينة سالما

 

و كان فى المدينة خمسة قبائل اكبرهما الاوس و الخزرج من العرب و هناك من بنى اسرائيل ثلاثة قبائل هم بنو النضير و بنو قينقاع و بنو قريظة و كمعظم اهل القرى فى هذا الزمان فكانوا يقيمون داخل حصون تحيط بهم الاسوار (و هى عادة اعجمية و ليست عربية) و داخل تلك الاسوار توجد منازلهم و اسواقهم و كانوا فى الصباح يفتحون تلك الحصون و يتعاملون مع العرب و يسمحون لهم بالدخول الى اسواقهم و اذا جن الليل اغلقوا الابواب و كانوا يقيمون التحالفات اما مع الاوس ضد الخزرج او مع الخزرج ضد الاوس مما عزز الفرقه بين القبيلتين و كان يقاتل اليهود بعضهم البعض حرصا على تحالفاتهم مع العرب التى توفر لهم الحماية فان وقع يهودى اسير لدى العرب فدوه جميعا بالمال فلا يقبلون ان يكون هناك اسيرا اسرائيليا عند العرب و يقولون هكذا ديننا و هناك على بعد مائة ميل شمال المدينة تجمع كبير لهم فى خيبر و هى اكبر قراهم و توجد بها اشد حصونهم قوة و اشدها مناعة و هى قريه مغلقه امام العرب و تطبق نظام شبه اشتراكى فملكيه ارض خيبر ملكيه عامة و ليست ملكيه خاصه

فكانوا مجتمعات مغلقة ليس من السهل الوصول اليها و الكلمة المصدقة عندهم هى كلمة علماؤهم فعامة اليهود كانوا من الاميين الذين لا يعلمون الكتاب و الذى يعلمه منهم هم علماء بنى اسرائيل الذين استأثروا بهذا العلم لانفسهم و لم يخبروا به أحدا فكان حكرا لهم فجعلوا كتابهم فى قراطيس متفرقه و لم يجعلوه فى كتاب واحد حتى يظهروا ما يريدون ليقرأه الناس و يخفون ما يريدون و لا يوجد ما يمنعهم اذا ارادوا ان يزيدوا فيه

 

لم يبايع اليهود رسول الله على الولاية مع المبايعين له فى العقبة و لكنهم لم يعترضوا عليها بل اظهروا موافقتهم و استبشارهم بها نفاقا بعد ان وجدوا الترحيب الكبير به من معظم اهل المدينة ووجدوا الدولة الاسلامية اصبحت واقعا على الارض فانتظروا مقدمه و استقبلوا الرسول الكريم مرحبين به و وقعوا معه المعاهدات حين وصل الى المدينة بما يعنى اعترافهم بولايته و لكنهم فى قلوبهم كانوا كارهين ان يولوا عليهم حاكما عربيا فزاد حقدهم

 

كيف بدء تعامل الاسلام مع اليهود

و رغم وضع اليهود العجيب و هذه المجتمعات المغلقة داخل الدولة فاقر الرسول وضعهم و لم يخالفهم و بقيت تحالفاتهم السابقة كما هى و اقام معهم المعاهدات و تعامل معهم برفق و لين فجاء فى القرأن العديد و العديد من الايات التى تخاطبهم بالقول اللين و تؤلف بين قلوبهم و قلوب المسلمين

 

 

ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا الْكَافِرُونَ (47) سورة العنكبوت

 

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِين(12َ) سورة الأحقاف

 

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159) سورة الأعراف

 

و كان بنى اسرائيل قبل البعثة يحدثون العرب عن النبى المنتظر و يستفتحون به عليهم و كان العرب يعلمون باحاديث بنى اسرائيل عن النبى و ها هو قد جاء و لكن من العرب و شهد حبر اليهود عبد الله بن سلام امام بنى اسرائيل و الناس جميعا ان رسول الله مكتوب عندهم فى التوراه و يعلمه جيدا كل من عنده علم بالتوراه من علماء بنى اسرائيل فكانوا يعرفونه كما يعرفون ابنائهم

 

و قد رحب الله بهذه الشهادة من التوراة و بتبشيرات بنى اسرائيل المعلنة بالنبى المنتظر و قوة ايمانهم به و شدة انتظارهم له و فى هذا اشارة الى ترحيب الاسلام بهم و فضلهم فى الاسلام لو دخلوا فيه و لو نزلت هذه الايات فى اى امة لتفاخرت بها الى يوم القيامة

 

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِين(193)ُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين(194)َ بِلِسَانٍ عَرَبِّيٍ مُبِين(195)ٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِين(196)َ أَوَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيل(َ197) سورة الشعراء

 

فالاسلام لم ياتى ضدهم او لينقص من قدرهم بل يجب ان يكون لهم دور مهم فى الاسلام فترك القرآن مساحة للاستعانة بالإسرائيليات (بما لا يخالف القرآن فالقرآن يصوب ما قبله و بما لم يثبت بالعلم أو بحقائق التاريخ عدم صحته)

 

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً (101) سورة الإسراء

 

فكان هذا الكلام اللين لعل ان تلين به القلوب القاسية فلم يقسوا عليهم الاسلام ليقسوا عليه هكذا بل كان قريبا منهم يمد يده اليهم

فهل يمكن لأحد بعد هذه الايات الخالدة ان يقول ان المسلمين بدؤا اليهود بالعداء ؟؟؟

 

 

محاربة اليهود للاسلام

و لكن ماذا كان رد اليهود الذين كانوا يبشرون برسول الله و ينتظرونه فقط منذ ايام قليلة

 

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) سورة البقرة

 

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَريقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(146) سورة البقرة

 

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) سورة الانعام

 

فهم تعلموا مثل جميع الاديان الاخرى و استفادوا من الاسلام فعلموا ما لم يكن يعلمه هم و لا ابائهم و لكنهم رغم استفادتهم من نور القرأن فاصروا على كفرهم و حاربوا الاسلام فحاولوا اضلال المسلمين و تظاهر بعضهم بالايمان و اندسوا بين المسلمين محاولين فتنتهم و كان هذا اكبر خطر يواجه الاسلام

 

وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61) سورة المائدة

 

و اخذوا بنشر بعض الافكار الفاسدة المخالفة للدين بين المسلمين تشكيكا لهم و يقولون انها مكتوبه عندهم فى التوراه و هى من عند الله كذبا على الله

 

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَاهـُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُون َهـُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَاهـُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون(78َ) سورة آل عمران

 

و كتبوا بايديهم نسخ محرفة من التواره فاختلط الامر عليهم حتى نسوا النص الاصلى للتوراه فاضاعوا كتابهم و اضلوا انفسهم

 

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) سورة المائدة

 

وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) سورة آل عمران

 

و مصيبتهم الكبرى انهم كفروا بالاخرة و قالوا لن يعذب الله الناس الا ايام معدودة فتبعا لاهوائهم كيف يعذب الله الناس و هو الرحمن الرحيم

 

وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) سورة البقرة

 

و قالوا عن الاية

 

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30) سورة المدثر

 

فاستبشروا و قالوا ان هذه التسعة عشر هى (ب س م ا ل ل ه ا ل ر ح م ن ا ل ر ح ي م) فسيرحم الله البشرية و لن يدخل النار احد و هذا ما يتمنون

 

ففتنهم الله و اظهر خَبثَهُم و رد عليهم

 

وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) سورة المدثر

 

فهذه التسعة عشر هى ملائكة العذاب و هذه الفتنة تذكرة للمؤمنين و لاهل الكتاب ليلقوا ما يعتقدوه من اوهام جانبا

فهذه الرساله هى الفرصة الاخيرة للنجاه فالعذاب واقع و حق و لا يصح انكاره

 

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4) سورة آل عمران

 

فكان بنى اسرائيل فى المدينة مثل آل فرعون اراد الله لهم التذكرة و الخشية و لكنهم قابلوا اللين بالتكبر و قابلوا الحق بالاعراض و الله اعلم بما سيفعلون و لكن سبحان الله فله فى خلقه شئون

 

و قد آمن الكثير من اليهود و دخلوا الاسلام بل و هناك من نبغ فيه و هناك كذلك من بقى على يهوديته و احسن جوار المسلمين و تعامل معه النبى صلى الله عليه و سلم بيعا و شراء و لكن الاغلبية تمسكوا و تفاخروا بانتمائهم الى حزب الإضلال و قتلة الانبياء و كفروا بالاخرة و تفننوا فى اشعال الفتن و الحروب بين الناس و قال البعض منهم يد الله مغلوله و قال البعض الاخر الله فقير و نحن اغنياء و يؤمنون بالجبت و الطاغوت و لسؤ عملهم انقلبت الامور عليهم فكانت المواجهة مع المسلمين

 

غزوة بدر

بدأ رسول الله اول خطوة فى تأسيس هذه الدولة الوليدة فى جميع اراضى المدينة و ما حولها و رغم ضعف المسلمين فى هذه المرحلة فيعلن انه سيوحد العرب فى دولة واحدة و سيصل المسلمون الى ملك كسرى و قيصر و كانت هذه الفتوحات من علامات نبوته صلى الله عليه و سلم التى كان يتفاخر بها اليهود الذين ظنوا انه سيكون منهم و انه سيفتح لهم هذه البلاد فكانوا يستفتحون به على الذين كفروا

 

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) سورة البقرة

 

فمنع رسول الله قوافل كفار قريش من العبور من اراضى دولته الاسلامية فلا يجب ان تستخدم قريش طرق تتبع دولته لقوافلها الا باذن منه او معاهدة مع المسلمين و طبق هذا النظام بجدية فاقام نقاط الرقابة على الطريقين الرئيسيين للقوافل لمنعها من العبور و شارك فيها كبار الصحابة و رغم ان هناك طرق بديلة و لكنها شاقة و غير امنة و لا تريدها قريش و لا تريد كتابة اى معاهدات مع محمد فيعترفوا بمدينته و حكمه فيقف ندا بند للدول القائمة مثل الفرس و الروم و يخاطبهم خطاب الدولة للدولة و هذا ما عجزوا هم عنه و قد تتولد رغبة بين القبائل العربيه او فى مكة نفسها عندما ترى قوة محمد بالانضمام الى هذه الدوله و الاندماج فيها فما يمنع الناس حقيقة عن محمد هو ايذاء قريش و سادة القبائل الاخرى الذين يتصورون انهم يعلون فى ظل حياة قبلية لا تعرف المساواه بين الناس

فالرجل صادق و الرسالة بينة و تلقى قبولا بين عامة الناس و سيدخلون فيها لو احسوا بالامان و لذلك فهم لا يريدون هذه المعاهدة و لا يريدون هذه الدولة

و حرصا على تجارتهم و استمرار تدفق السلع و البضائع الى سوقهم اكبر اسواق الجزيرة العربيه فى ذلك الوقت فلم تعترف قريش بدولة الاسلام و بحق هذه الدولة بمنع مرور القوافل من اراضيها فاختارت الحرب

 

فتشتعل الحرب فى بدر بين كفار قريش و قد انتفخت وجوههم غيظا و حقدا و الشياطين تجرى فيهم مجرى الدم تؤزهم ازا و تعدهم و تمنيهم و تدفعهم دفعا لقتال المسلمين و فى المقابل المسلمين الضعفاء الفقراء امدهم الله بطاقات نورانية هائلة لا قبل لاحد بها و تتضاعف باستمرار اضعافا مضاعفة فينزل عليهم الملائكة تبشرهم و تثبتهم و تسدد رميتهم فالملائكة تعذب الكافرين بايدى الفئة المؤمنة

و ينتصر المسلمون على صناديد قريش نصرا مؤزرا و اضاعوا هيبتهم بين القبائل و اغلقوا طريق القوافل امامهم الى الابد

 

غزوة بنى قينقاع

صدم اليهود بعد غزوة بدر و اشتعلوا حسدا على محمد و اصحابه فهذا كعب ابن الاشرف سيد بنى النضير يقول " ويلكم أحق هذا وهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس وإن كان محمد أصاب هؤلاء فبطن الأرض خير من ظهرها"

و كشف بنو قينقاع عن حسدهم و هم افقر اليهود و انقصهم عقلا فجاءت امراه مسلمه الى سوقهم، فغافلها يهودى فربط ردائها دون ان تشعر، ولما نهضت المراه انكشفت عورتها، فضج اليهود بالضحك فغضب رجل مسلم فقتل اليهودى الذى ربط ثوب المراه فثأر اليهود لانفسهم و اجتمعوا على الرجل و قتلوه بايديهم و عندما ذهب اليهم رسول الله ليحذرهم من البغى ظهرت حقيقتهم فقالوا له

"يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا واللَّه  لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس" و الغوا المعاهدة مع رسول الله

فكشف بنو قينقاع عن نواياهم بسهولة فهذا رايهم المبنى على استخدام القوة و تهديدهم لرسول الله بالحرب فكانوا دعاة تفرقة و اشعال الحروب فى وقت الدعوة الى التأخى و الوحدة و هم يتصورون انهم الاقوى و هم حلفاء الخزرج فيورطونهم كعادتهم بحماقة فى حرب جديدة مع المسلمين لتدور عليهم الدوائر فقام عبادة بن الصامت الخزرجي رضي الله عنه فتبرأ من حلفهم بعد إهانتهم لرسول الله و تهديدهم له بالحرب ففزع اليهود بعد انقطاع حبلهم مع الخزرج و لكن بحماقة أبوا إلا الحرب للنهاية فدخلوا حصونهم و استعدوا للقتال فسار إليهم رسول الله و حاصرهم حتى استسلموا رغما عنهم و خرجوا مهزومون من المدينة و لم يذكر التاريخ الى اين ذهبوا

 

غزوة احد

و تشن قريش هجوما اخر على المسلمين فقتلهم المسلمون فى اول الامر و انتصروا عليهم و انسحب المشركين و فرح المسلمون بالنصر فعصى جماعة ممن يريدون الدنيا رسول الله و تنازعوا على الغنائم و دبت الفرقة و الانقسام فى صفوف المسلمين فابتلاهم الله و صرفهم عن جيش الكفار الذى ارتد عليهم مرة اخرى بمبادرة من القائد خالد بن الوليد (قبل ان يدخل فى الاسلام)

 

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) سورة آل عمران

 

فقتلت قريش الكثير من المسلمين و نال مرتبة الشهداء بعض من كبار الصحابة حتى لجأ المسلمون الى جبل أحد فقلب هذا الجبل العزيز علينا موازين المعركة مرة اخرى و لم يجد المشركين امامهم الا طريقا واحدا هو الرجوع من حيث اتوا و لذلك سميت هذه الموقعة بغزوة احد

 

و قد تعلم المسلمون من تقلب الاحداث فى هذه الغزوة انهم حتى ينالوا رضا الله فيجب الا يتنازعوا و ان يكونوا يد واحدة

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) سورة الصف

 

ثم عفا الله سبحانه و تعالى عن المسلمين و انزل على الطائفة المؤمنه النوم رحمة بهم من الاحساس بالغم

و رغم زيادة عدد القتلى فى سبيل الله من المسلمين يوم احد فلم تكن غزوة احد نصر لقريش فهم يعلمون انهم ارتدوا على المسلمين نتيجة لشرخ مؤقت حدث فى صفوف المسلمين و لكن المسلمون هم الاقوى و الحرب ما زالت مستمرة و لم تضع بعد اوزارها كما قال رب العزة بعد موقعة احد

 

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سورة محمد

 

غزوة بنى النضير

تمنى اليهود القضاء نهائيا على الإسلام و أن يفعلوا ما عجزت قريش عن فعله يوم أحد و هو قتل محمد فجاءتهم الفرصة عندما ذهب رسول الله الى بنى النضير فى نفر قليل من أصحابه فتآمروا عليه و قال بعضهم لبعض لن تجدوا أخلى منه اليوم فاظهروا ترحابهم به و دعوه الى الغذاء بجوار حائط فى مبنى و كان رسول الله ودودا فقبل دعوة اليهود فبعثوا أحدهم حتى يصعد على هذا الحائط فيلقي على رسول الله صخرة من فوقه فيهلك و من ثم يظهرون للناس اسفهم و براءتهم من الحادث فأنباءه جبريل بالخبر فاستأذن النبى منهم لقضاء حاجة له و خرج حتى بلغ مأمنه وأرسل إليهم يخبرهم بنكثهم العهد ويأمرهم بالخروج من مدينته و كان لليهود إخوانا من المنافقين من عرب المدينة على رأسهم اخيهم عبد الله بن ابى بن سلول فجاءوهم يحرضونهم على البقاء و تمسكوا ببقائهم فى المدينة ويعدونهم بالنصر ويقولون لهم لان أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وان قوتلتم لننصرنكم و الله يشهد انهم لكاذبون

 

أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) سورة الحشر

 

فرفضت بنى النضير أمر رسول الله و استعدوا للقتال مستبشرين بهذا الوعد بالنصرة من جمع غير قليل من المنافقين فتهيأ النبى الى قتالهم فنكث المنافقون عهدهم مع بنى النضير و تنكروا لهم فانقطع حبل بنى النضير مع المنافقين من العرب بل ان خوف المنافقين و نكثهم للعهد معهم زادهم رعبا فرجعوا و طلبوا من النبي أن يكف عن قتالهم و أن يخرجوا بأموالهم بدون سلاح و كانوا اقوى اليهود و اكثرهم ثراء و خبثا و يملكون اموال طائلة

 

فأجابهم إلى ذلك رسول الله فخرجوا بعد ان اخذوا كل ما استطاعوا ان يحملوه من ممتلكاتهم ثم خربوا بيوتهم بأيديهم حتى لا ينتفع بها المسلمون فاكمل المسلمون عليها بتخريبها و قطعوا اشجارهم و نخيلهم ابتهاجا بخروجهم بدون حرب و حتى لا يكون لهم اى اثر فى المدينة و ينقطع املهم فى العودة بعد ذلك نهائيا فخرج بنى النضير من المدينة بفضل الله وحده رغم انهم كانوا الاقوى و كانوا الخطر الاكبر على المسلمين و المسلمون فى اضعف حالاتهم بعد ان قتل الكثير منهم فى احد و لكنها ارادة الله و ليعلم المسلمون بعد غزوة احد ان النصر من عند الله و بطاعة الله و ليس منهم

و انضمت بنى النضير بحقدهم و أموالهم الى يهود خيبر حيث ستبدأ المؤامرة اليهودية الكبرى على محمد و اصحابه

 

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) سورة الحشر

 

غزوة الاحزاب و بنى قريظة

فى السنة الخامسة من الهجرة قررت قريش الجمع للمسلمين ما ليس لهم طاقة به و الهجوم عليه و اعتقدوا أن نهاية المسلمين قد قربت فاتفقت قبائل قريش و غطفان و بنى سليم  و أشجع و العديد من القبائل العربية الأخرى بالهجوم على المدينة و اتفقت مع بنى قريظة حليفة المسلمين بخيانتهم و الالتفاف عليهم من الخلف فتكون بنى قريظة قد أحكمت الحلقة على المسلمين من جميع الجهات و بذلك يضمنون نهائيا بفناء المسلمين جميعا حتى لا يبقى منهم باقيه

فشرع المسلمون ببناء خندقا حول المدينة و بذلك يأمنون شر القبائل العربية و كان المسلمون مطمئنين الى جانب بنى قريظة فلا يعقل بعد ما علمت بنى قريظة قوة المسلمين و ما حدث لبنى قينقاع و بنى النضير ان تقدم على قتال المسلمين فالطبيعى انها لن تتدخل فى القتال و لكن كانت رغبة بنى قريظة فى القضاء على المسلمين عظيمة مما جعلها تقدم على هذه المخاطرة و وضعوا المسلمين فى اسوأ وضع يمكن تخيله

 

إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) سورة الاحزاب

 

فجاء النبى خبر بنى قريظة و تمزيقهم للمعاهدة معه فكانت هذه هى الخيانة الكبرى و لو تمت لقضى على المسلمين جميعا فأخفى رسول الله علمه بخيانتهم و بعث الى بنى قريظة رجلا يخفى إيمانه و قال لهم إن قريش إن ولت الأدبار فسيتركونكم و المسلمين فيثأروا منكم ( و هذا ما حدث بالفعل ) و حتى يضمنون ولاء قريش و عدم فرارهم فيجب أن يطلبوا منهم خمسون رهينة يحتفظون بهم حتى يثبتون و ينصرونهم على محمد فاقتنعت بنو قريظة ثم ذهب الى كفار قريش و قال لهم إن بنو قريظة اتفقت مع محمد على الصلح مقابل أن يسلموه خمسين مقاتل من قريش ليقتلهم فرفضت قريش طلبهم  و اهتزت ثقة قريش فى بنى قريظة و كان اول نصر للمسلمين على الاحزاب

و أرسل الله ريحا على جيش الكافرين فردهم الله راجعين من حيث أتوا بدون قتال و لكن الحرب لم تنتهى بعد فما زال الأعداء من بنى قريظة موجودون بالمدينه فغزوة بنى قريظة جزء لا يتجزأ من غزوة الأحزاب و استكمالا لانتصار المسلمين على أخر فلول الأحزاب فتفرغ المسلمون لهم و توجهوا إليهم و حاصروهم حتى استسلموا و اصبحوا اسرى فى ايدى المسلمين و كانوا حلفاء للاوس و حتى لا يجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ضغائن بين المسلمين و بين قبيلة الاوس جعل حكما من الاوس بينه و بين يهود بنى قريظة فاختاروا سعد بن معاذ سيد الاوس و قبلت بنى قريظة بحكمه و كان رجلا يحتضر و ليس باق له فى الدنيا ناقة و لا جمل و هو رجل يخبرهم جيدا فما يرضونه للناس يجب أن يقبلوه على أنفسهم و هم قد رؤوا ماذا حدث لبنى قينقاع و بنى النضير و مع ذلك اصروا على القتال فلا فائدة فيهم فسيقاتلوا المسلمين ما حييوا فحكم عليهم أن تقتل الرجال و تسبي النساء والذرية و تقسم الأموال (و هى فى حكم الاموال التى ليس لها صاحب بعد موت اصحابها فكأنها غنائم حرب) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات" فرضى الله عن حكم سعد بن معاذ و رضى به المسلمون و لم يكن لبنى قريظة خيار بعد ذلك الحكم

 

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) وَ أَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) سورة الأحزاب

 

و قد كان حكم سعد بن معاذ رغم صرامته صائبا تماما فان اخلى سبيل بنى قريظة و اكتفى بنفيهم عن المدينة كمن سبقهم من اليهود فلن يخلص المسلمون من شرهم بل لذهبوا الى خيبر التى كان خطرها يزداد يوما بعد يوم قريبا من المدينة بعد ان انضم إليها بنى النضير و هم اثرياء اليهود الذين حاولوا قتل النبى و قد أمرهم رسول الله بالخروج من المدينة فما خرجوا فعليا و لكن بقوا قريبا منه فى خيبر

 

غزوة خيبر

بنى النضير قد عايشت تجربة محمد فى تأسيس دولة الاسلام فتولدت اطماعهم بتجميع اليهود فى خيبر و منها يغزون يثرب و بذلك ينشؤون دولة يهودية على انقاض دولة الاسلام التى اسسها محمد و ما يسهل الامر لهم وجود بعض المنافقين منهم و من العرب المعادين للاسلام داخل المدينة فاصبح ذلك حلما يهوديا فعملوا على ان تكون خيبر مركز تجمع حقيقى لليهود فى كيان واحد و على هدف واحد تستقطب يوما بعد يوم المزيد من اليهود المتناثرين فى الاراضى العربية ساعدهم على ذلك أموال بنى النضير و إنفاقهم بسخاء لتشكيل قوة كبيرة فى خيبر فرمموا الحصون و تواصلوا مع الفرس المتابعين لأخبار الدولة الاسلامية الناشئة بقلق و كان للفرس نفوذ قوى فى الجزيرة العربية فقلبوهم على المسلمين و اشتروا منهم المزيد من السلاح المتطور فى هذا العصر و اخذوا يدبرون المؤامرات و الدسائس بالتعاون مع منافقى المدينة لتخريب المجتمع المسلم من الداخل استعدادا للرجوع الى المدينة و انشاء دولتهم

و لكن انتصار المسلمين فى الأحزاب و ما حدث لبنى قريظة قد قذف فى قلوب يهود خيبر الرعب و جعلهم يخشون الهجوم على المسلمين كما فعلت بنى قريظة فانتظروا حتى يحشروا المزيد و المزيد من اليهود لقتال المسلمين

بل رغم زيادتهم عددا و عدة و وعورة الطريق اليهم و مناعة حصونهم التى لا يعقل بالحسابات المادية ان يقتحمها المسلمين عليهم و هم قلة (الا بنصر من الله) فبلغ بهم الرعب ان تحالفوا مع غطفان القريبة من المدينة و الذين حاربوا المسلمين فى الأحزاب حتى تدافع عنهم اذا غزاهم المسلمين مقابل ثمار خيبر لمدة سنة كامله و غطفان بدورها كانت اكثر عددا و عدة من المسلمين

 

و فى الجهة المقابلة كان المسلمون على علم بما يجرى فى خيبر و لكن المواجهات المستمرة بين المسلمين و كفار قريش و بعض المشاكل الداخلية التى يعانى منها المسلمين من دسائس المنافقين فى المدينة التى ارهقت المسلمين كثيرا و كانت تشكل خطرا لا يستهان به عليهم قد جعلتهم يتمهلون فى غزو خيبر فلا طاقة لهم بقتال خيبر حتى تستقر أمورهم و إن استقرت أمورهم لأيام قليلة فلا بديل لهم من الزحف على خيبر و كسر شوكتهم مهما كانت الظروف

 

و فتح الله لنبيه فكان صلح الحديبية و كانت هدنة بين المسلمين و قريش لمدة 10 سنوات

 

فاخيرا جاءت الفرصه للمسلمين لغزو خيبر فيجب الاسراع للقضاء على الخطر الاكبر الذى يواجه الدولة الاسلامية فرغم حرارة الجو الشديدة فى شهر يونيو و وعورة الطريق و قلة اموال المسلمين التى لا تكفى حتى لاطعام الجيش فلم يؤجل الغزو فلابد من فتح خيبر فورا فهى تزداد قوة يوما بعد يوم و يزداد اذى المنافقين للمسلمين فى المدينة يوما بعد يوم

فتجهز المسلمون للقتال و اصطحب رسول الله معه فى هذه الغزوة عدد قليل من المسلمين الموثوق فى ايمانهم و عدم نفاقهم فخيبر ستفتح بالايمان و نصر الله و ليس بالعدد و لا يريد المنافقين معه فسار رسول الله و جيشه الى خيبر متوكلا على الله فالله مصبرهم و ناصرهم

فتحركت قبيلة غطفان للهجوم على المسلمين من الخلف و فى نصف الطريق كان داخل غطفان مسلمون يكتمون ايمانهم  فادركوهم و قالوا لهم ان النبى عندما علم بخروجهم فاعد جيشا للهجوم على قبيلتهم فسيفتحونها بسهولة و هم قلة فرجعت غطفان من حيث اتوا حتى يدافعوا عن قبيلتهم ضد هذا الجيش الوهمى

فتفرغ النبى الى خيبر و اتجهوا لمحاصرة اول حصون خيبر و هو حصن النطاة فاستمر الحصار ثلاثة عشر يوما فى هذا القيظ و مع الندرة الشديدة للطعام و ابواب الحصن لا تفتح و لا يستسلمون فهم عندهم ما يكفيهم من الطعام و الشراب لمدة عام كامل و الحصار لن يجدى معهم حتى مرض بعض الصحابة و مرض النبى نفسه

فقرروا الهجوم على الحصن رغم ان ليس عندهم من السلاح ما يصلح لاقتحام هذا الحصن فكان فتحه شبه مستحيل و الجند متعبون من قلة الطعام

فاختار النبى ابو بكر ليفتح الحصن رغم انه رجل ضعيف الجسم خفيض الصوت فاختاره لايمانه و حب الجند له و ليس لقدراته العسكرية

فمجرد ان اقترب جيش المسلمين من الحصن انهالت نبال اليهود على المسلمين و ظلت الابواب مغلقه و لا يوجد سبيل للدخول فرجع ابو بكر بعد اول محاولة و لم يستطع حل لغز خيبر

و فى اليوم الثانى اختار رسول الله عمر بن الخطاب ليفتح الحصن و لكن ما حدث لابا بكر حدث لعمر و فشلت ثانى محاولة

فقال لهم النبى ‏مبشرا لأ عطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار

و فى اليوم الثالث اختار النبى على بن ابى طالب اول فدائى فى الاسلام فقالوا له ان به رمد فقال ائتونى به فمسح على عينه فشفى بأذن الله ثم اعطاه الرايه و قال له يا على خذ الراية و لا تلتف الى الخلف فانطلق على الى الحصن و اعد خدعة لليهود حتى يفتحوا باب الحصن فاستدرجهم و فتح اليهود الباب فتدفق المسلمون داخل الحصن ففر اليهود بعد قتال ضعيف و تركوا اسلحتهم و متاعهم للمسلمين وكان مما غنمه المسلمون من هذا الحصن البوراج الحربيه (سلالم ضخمة لتسلق الاسوار) و المنجنيق و هى اسلحة متطورة تستخدم لاقتحام الحصون و كانت مفككة فاقامها المسلمون و فتحوا بها باقى حصون خيبر و اخذهم المسلمون اسرى فصالحوا النبى على ان يلقوا اسلحتهم و يبقوا فى الدولة كمواطنين ملتزمين و يعملون فى ارض خيبر و هى ارض ملك للدولة و ليس لافراد بعينهم فيزرعونها مقابل نصف محصولها و كانوا اعلم بادارتها حيث كان لها نظام خاص لم يعتاده المسلمون فوافقهم النبى على ذلك طالما سيطئ المسلمون ارض خيبر وقتما شاؤا و اليهود قد انكسرت شوكتهم و اضمحل حلمهم الذى اخذ يتلاشى شيئا فشيئا مع فتح مكة و توسع الدولة الاسلامية و هذا الطوفان البشرى الذى يدخل الى الاسلام كل يوم حتى اصبحت كل ارض وطئتها اقدامهم الا و يسمعون فيها اشهد ان لا اله الا الله و اشهد ان محمدا رسول الله

 

تـعـلـيـق

حديث العروج من بيت رسول الله فى مكة ورد فى البخارى و مسلم و فى معظم كتب الاحاديث الاخرى اما حديث العروج من المسجد الاقصى ورد فى صحيح مسلم و سنن الترمذى

 

و لكن لا يصح دخول الجنة باجسامنا بطبيعتها الحالية و ما تحتويه من دم و فضلات الطعام مما يضعف حديث العروج الى الملأ الاعلى من صخرة المسجد الاقصى بالروح و الجسد ممتطيا البراق !

 

و كذلك ترتيب الاحداث تدل على ان العروج كان من بيت رسول الله بمكة قبل رحلة الاسراء حيث فرضت الصلاة فى العروج قبل ان يؤم رسول الله صلى الله عليه و سلم الانبياء للصلاة فى بيت المقدس فى رحلة الاسراء

 

و قد قال البعض ان احاديث العروج من صخرة بيت المقدس تم تداولها و التركيز عليها فى عصر صلاح الدين اثناء احتلال الصليبيين لبيت المقدس لاثارة حماسة المسلمين

 

ففى صحيح مسلم باب الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِلَى السَّمَوَاتِ وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ

و فى صحيح البخارى باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ فِي الإِسْرَاء

 

وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، اَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ اَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ اَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ اَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ اَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَاَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَاِيمَانًا فَاَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ اَطْبَقَهُ ثُمَّ اَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي اِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ . قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ . قَالَ هَلْ مَعَكَ اَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . قَالَ فَاُرْسِلَ اِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ - قَالَ - فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ اَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ اَسْوِدَةٌ - قَالَ - فَاِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَاِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى - قَالَ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا ادَمُ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَاَهْلُ الْيَمِينِ اَهْلُ الْجَنَّةِ وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ اَهْلُ النَّارِ فَاِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَاِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى - قَالَ - ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى اَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ . فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ - قَالَ - فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَفَتَحَ " . فَقَالَ اَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَكَرَ اَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ ادَمَ وَاِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإبراهيم - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ اَنَّهُ ذَكَرَ اَنَّهُ قَدْ وَجَدَ ادَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإبراهيم فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ . قَالَ " فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاِدْرِيسَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ - قَالَ - ثُمَّ مَرَّ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا اِدْرِيسُ - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - قَالَ - ثُمَّ مَرَرْتُ بِإبراهيم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ - قَالَ - قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إبراهيم " . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَاَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ اَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَاَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى اَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ " . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَ اَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى اُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً - قَالَ - فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى اَمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى اُمَّتِكَ - قَالَ - قُلْتُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً . قَالَ لِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَاجِعْ رَبَّكَ فَاِنَّ اُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ - قَالَ - فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا - قَالَ - فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَاَخْبَرْتُهُ قَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فَاِنَّ اُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ - قَالَ - فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ - قَالَ - فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ . فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي - قَالَ - ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَاْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا اَلْوَانٌ لاَ اَدْرِي مَا هِيَ - قَالَ - ثُمَّ اُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَاِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَاِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ " .

 

 

 

)مسند شداد بن أوس)  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت بأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، فاستصعبت علي فأدارها بأذنها حتى حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا تضع حافرها حيث أدرك طرفها حتى انتهينا إلى أرض ذات نخل، قال: انزل، فنزلت، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا فقال لي: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت بيثرب صليت بطيبة؛ ثم انطلقت تهوي بنا تضع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا بيضاء، قال لي: انزل، فنزلت، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا، قال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى؛ ثم انطلقت تهوي بنا تضع حافرها حيث أدرك طرفها ثم ارتفعنا، فقال: انزل، فنزلت، فقال: صل، فصليت، ثم ركبنا فقال؟ أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد المسيح ابن مريم؛ ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت في المسجد حيث شاء الله، ثم أتيت بإناءين: في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، أرسل إلي بهما جميعا فعدلت بينهما، ثم هداني الله فاخترت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكيء فقال: أخذ صاحبك بالفطرة؛ ثم انطلق بي حتى أتيت الوادي الذي بالمدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي! ثم مررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم فسلمت عليهم، فقال بعضهم لبعض: هذا صوت محمد؟ ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر فقال: يا رسول الله! أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك فلم أجدك، فقلت: أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: يا رسول الله! إنه مسيرة شهر فصفه لي، ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم عنه.
(البزار وابن أبي حاتم، طب وابن مردويه، ق في الدلائل؛ وصححه).

 

المقصود ب (صليت بمدين صليت عند شجرة موسى) هو طور سيناء

 

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) سورة القصص

 

و هو ما يتضح من الحديث التالى :

 

أخبرنا عمر بن هشام قال حدثنا مخلد عن سعيد بن عبد العزيز قال حدثنا يزيد بن أبي مالك قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-قال أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة وإليها المهاجر ثم قال انزل فصل فصليت فقال أتدري أين صليت صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام ثم قال انزل فصل فنزلت فصليت فقال أتدري أين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام ثم صعد بين إلى السماء الثالثة فإذا فيها يوسف عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فإذا فيها هارون عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم عليه السلام ثم صعد بي فوق سبع سموات فأتينا سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة بها أنت وأمتك فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني عن شيء ثم أتيت على موسى فقال كم فرض الله عليك وعلى أمتك قلت خمسين صلاة قال فانك لا تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عن عشرا ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع فرجعت فخفف عني عشرا ثم ردت إلى خمس صلوات قال فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فأنه فرض على بني إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته التخفيف فقال إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فخمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك فعرفت أنها من الله تبارك وتعالى ضرى فرجعت إلى موسى عليه السلام فقال ارجع فعرفت أنها من الله صرى أي ختم فلم أرجع.

 

حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك الزاهد ببغداد، حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلوي، حدثنا محمد بن كثير الصنعاني، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت:
لما أسري بالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- فقالوا:
هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال:
أو قال ذلك؟
قالوا: نعم.
قال: لئن قال ذلك لقد صدق.
قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟
فقال: نعم، إني لأصدقه ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة.
فلذلك سمي أبا بكر: الصديق -رضي الله تعالى عنه-.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، فإن محمد بن كثير الصنعاني صدوق