أهل إسماعيل و بنى إسرائيل

 

 

هجرة العبرانيين الى ارض فلسطين 

أتى خليل الله إبراهيم إلى الله بقلب سليم يعبده لا يشرك به شيئا فرضى الله عنه و أراه من آياته و أيده بالمعجزات و ارسله الى قومه ليدعوهم الى الاسلام فامن معه نفر قليل و كذبه قومه فتبرأ الذين امنوا معه من الكافرين

 

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) سورة الممتحنة

 

و هاجر المؤمنين من قوم سيدنا ابراهيم و ابن اخيه لوط الى ارض فلسطين

 

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) سورة الانبياء

 

فنجا سيدنا ابراهيم من ظلم قومه فى بابل و لبس سيدنا ابراهيم فى ارض فلسطين سيدا لقومه و للبدو الرعاة الذين بدؤوا بالهجرة بكثافة الى ارض فلسطين

 

السيدة هاجر رضى الله عنها

و كانت مصر فى هذه الاثناء قد استقرت بعد صراع داخلى على الحكم بعد موت الملك منتوحتب الرابع امير طيبة و ملك مصر دون وريث و نشب صراع على الحكم بين وزيره امنمحات الاول و لم يكن من عائلة ملكية و لكنه كان القائم بالحكم بالفعل و كان معه الجيش و بين حكام الأقاليم فانتصر امنمحات الاول على حكام الاقاليم و اسر السيدة هاجر

 

فقال الطبري عن السيدة هاجر‏:

 ان عمرو بن العاص لما ملك مصر اخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال هذا نسب لا يحفظ حقه الا نبي لانه نسب بعيد‏. وذكروا له ان هاجر كانت امراة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين اهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها دولة فقتلوا الملك وسبوها‏. ومن هنالك تسيرت الى ابيكم ابراهيم

 

و امم الملك امنمحات الاول اراضى النبلاء فى مصر و اصبحت الدولة هى المالكة لمعظم الاراضى الزراعية و المتحكمة فى الاقتصاد و اهتم بالأمن اهتماما بالغا و اشتهر بكرهه للبدو الذين ياتون لييسرقوا و يقطعوا الطريق فى ارض مصر فارسل ابنه سنوسرت الاول لمحاربة البدو فى الصحراء الغربية و شهدت ارض فلسطين فى عصره كما تقدم ذكره هجرات بدويه واسعة من عدة اجناس و اطلق المصريين على هؤلاء البدو الفلسطنيين العابيرو و هم ما يعرفون تاريخيا بالعبرانيين

 

فاغلق الملك امنمحات الاول نهائيا حدود مصر مع فلسطين و بنى عدة تحصينات لمنع تسلل البدو الى مصر اسماها جدار الحاكم و فرض اجراءات امن صارمة على حدود مصر الشرقية و لبس هذا الجدار طوال حكم الأسرة الثانية عشر

 

و ظلت الأميرة هاجر فى الاسر حتى تولى الملك سنوسرت الاول الحكم بعد مرض ابيه امنمحات الاول

ثم تمكن بعض المصريين من قتل الملك امنمحات الاول و هو فى فراشه ثم تمكنوا من الفرار الى ارض الشام و انفرد ابنه سنوسرت الاول بعرش مصر

 

فدعى نبى الله ابراهيم أن يهبه من الأبناء الصالحين و تقبل الله دعوته فذهب نبى الله إبراهيم الى مصر و استقبله الملك سنوسرت الاول كملك للعبرانيين البدو المهاجرين الى ارض فلسطين فاكرم ضيافته و اهدى هذا النبى الكريم الأميرة الكريمة هاجر ليتزوجها ثم اصدر عفوا عن المصريين الفارين الى ارض الشام المتهمين بقتل ابيه الملك امنمحات الاول و سمح بقيام  تجارة منظمة بين مصر و العبرانيين

 

فتزوج سيدنا ابراهيم السيدة هاجر و خرج بها من مصر الى ارض فلسطين فرزقه الله منها بغلام حليم و هو رسول الله إسماعيل عليه السلام و هو اكبر أبناء إبراهيم عليه السلام فكان هو استجابة الله لدعاء نبيه ابراهيم بالذرية الصالحة

 

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) سورة الصافات

 

هجرة السيدة هاجر و رسول الله اسماعيل لاعادة الحياة الى مكة

فسرعان ما حملته أمه السيدة هاجر رضى الله عنها و هو ما زال رضيعا لتخرج بأمر من الله سبحانه و تعالى فى هجرة مباركة من ارض فلسطين لتسكن فى واد غير ذى زرع عند أول بيت وضع للناس بيت الله المحرم و كان مهجورا خاليا من البشر فى ذلك الوقت فصبرت السيدة هاجر و مكثت وحيده مع رضيعها فى هذه الارض المهجورة التى يبدوا للناظرين ان الموت قادم فيها لا محالة و لكنها رضى الله عنها قالت أن الله لن يضيعنا

 

و صبر سيدنا إبراهيم لحكم الله ففارق رضيعه الذى انتظره طويلا و رجع بدونهما فسأل الله ان يجعل افئدة من الناس تهوى اليهم فى هذا المكان الذى لا يبدوا فيه اى اثر للحياة

 

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {37} سورة إبراهيم

 

فظلت هذه السيدة الكريمة وحيدة فى ارض لا يوجد بها زرع و لا ماء فقط صحراء شاسعة حتى نفذ الماء منها و جف لبنها و رأت الموت فى عين رضيعها الكريم فأشتد الكرب عليها فظلت تهرول بين الصفا و المروة بحثا على الماء ففجر الله لهم بئر زمزم عند قدمى اسماعيل

 

ثم مر بهم أهل بيت من جرهم و أرجح انهم كانوا أهلها من مصر الذين فروا مع من فر فى عصر الاضطرابات فى عهد الملك امنمحات الاول الى ارض الشام ثم هاجروا الى اليمن و كان الطريق اليها ميسرا فى ذلك الوقت فكان الطريق ما بين ارض فلسطين و اليمن طريقا عامرا ملئ بالقرى

 

وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) سورة سبأ

 

و لكن لا يوجد دليل مؤكد على ذلك و لكنهم بوجه عام كان هؤلاء ال (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ) قوما قلوبهم رقيقة و سيكونون منها و من ابنها بمنزلة الاهل

 

فوجد القوم بئر زمزم عند السيدة هاجر و هى وجدتهم فألفتهم و استأنست بهم فاستأذنوها فى الإقامة و الشرب و لم يغتصبوا منها الماء رغم انها سيدة وحيدة فأذنت لهم بالإقامة فى هذا البلد ملاذا آمنا و اشترطت ان تملك هى الماء فوافقوا فاصبح لها بتملكها للماء فى هذه الصحراء سلطة كبيرة فى هذه الارض فأورثها الله هذه الأرض العربية و ابدلها خيرا من ملكها السابق بأحب ارض إليه و من بعدها ابنها إسماعيل ثم ابناؤه من بعده

 

فنشأ رسول الله إسماعيل وسط أهله ليؤسس اسماعيل عليه السلام بجوار بيت الله المحرم امة من اعظم امم التاريخ المعروفة تاريخيا بالعرب المستعربة و علم سيدنا اسماعيل قومه العربية الفصحى افضل الالسنة العربية لغة سيدنا اسماعيل و علمه الله ترويض الخيل و علمه الرمى بالسهام فشب فارسا محبا للصيد و اصبحت اخلاق الفرسان سمة عربية اصيلة و هى اخلاق اسماعيل عليه السلام

 

و رفع اسماعيل قواعد بيت الله المحرم مع ابيه إبراهيم و طهراه ليكون قبلة للناس جميعا يحجون اليه و مكث سيدنا إسماعيل فى اهله رسولا و حاكما يوحى اليه من ريه مكلفا بدعوتهم الى الحنيفية السمحة ملة إبراهيم عليه السلام و نجح سيدنا اسماعيل فى رسالته نجاحا كبيرا و اصبح هناك مجتمعا موحدا بالله بجوار بيته المحرم فكان مقدم اسماعيل و اهله الى الارض المقدسة مقدم خير و نماء

 

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) سورة مريم

 

مولد نبى الله اسحاق عليه السلام

و نرجع بالزمن قليلا و سيدنا إبراهيم فى ارض فلسطين مع الموحدين من قومه و له مقامه الرفيع فى هذه الارض المباركة و كان شيخا كبيرا و بعد ان ترك ابنه الوحيد عند بيت الله المحرم فكانت زوجته السيدة سارة سيدة عقيم و كبيرة فى السن لا امل لها فى الانجاب فوهبه الله منها بقدرته سبحانه و تعالى بغلام عليم و هو سيدنا إسحاق و من بعده سيدنا يعقوب و كانوا أنبياء رحماء صادقون

 

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) سورة الذاريات

 

قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) سورة مريم

  

فانجب سيدنا يعقوب اثنتى عشر ولدا هم يوسف و اخوته و قدر الله لهما و ذريتهما طريق اخر يختلف عن طريق سيدنا اسماعيل و ذريته فى مكة

فآتى الله يوسف حسنا و جمالا لم يرى التاريخ مثله و كان حسن الخلق محبا لأبيه و احبه أبيه حبا شديدا فأحترق قلب اخوة يوسف حسدا على أخيهم و علم ابيهم بحسد اخوة يوسف لاخيهم فكان لا يفارقه ابدا و لكنهم تأمروا على ابيهم و خادعوه فأظهروا البراءة و حسن النية و كانوا يذهبون للرعى فقالوا لابيهم ارسل معنا يوسف يرتع و يلعب فاخذوا يوسف من أبيه والقوه فى غياهب الجب و رجعوا الى أبيهم عشاء يبكون و ادعوا أن يوسف قد أكله الذئب و رغم علمهم برقة قلب ابيهم الزائدة فلم يرحموه بل لم يخافوا من الله العظيم و هو يسمعهم و يراهم فكان هذا بداية عهد بنى إسرائيل مع أنبيائهم فثكلوا نبى و الآخر القوه فى الجب

 

مقدم نبى الله يوسف الى مصر

فالتقط سيدنا يوسف من الجب بعض السيارة كانوا ذاهبين الى مصر للتجارة فى عصر التجارة النشطة بين مصر و الأسيويين فاخذوه كأنه عبد أسير و ضموه الى بضاعتهم حتى يبيعوه فى مصر

 

فاتى سيدنا يوسف الى مصر و اشتراه العزيز أي الحاكم الإداري لمصر و كان رجلا محسنا فأكرمه و أوصى زوجته به و نشأ النبى المحسود فى مصر و ارتدى ملابس المصريين و تكلم لغتهم و علمه الله فى قصر العزيز و كتب له انه سيمكنه فى هذه الارض

 

اشتد عود يوسف داخل القصر و أحبته زوجة العزيز حبا شديدا و هى امرأة ذات دهاء  فغارت عليه و عزلته عن النساء حتى لا يرى غيرها فلم يرى يوسف من النساء إلا هى و لم يراه أي من النسوة فى المدينة

 

و كان العزيز كثير الغياب عن القصر كثير الترحال فى شمال البلاد و جنوبها و احب يوسف كولده و لم يكن يدرى بما تفعله زوجته

فانفردت زوجة العزيز بفتاها و هيئت الأجواء لتفتنه و دعته الى نفسها و كادت ان تنجح فهمت به و هم بها لولا ان الله يسمع و يرى و ما كان المولى سبحانه و تعالى ليترك عبده المخلص ليقع فى السوء و الفحشاء فاراه برهان العزيز فتذكر يوسف و قال (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) و اندفع يوسف الى الباب و اندفعت زوجة العزيز خلفه و امسكت بقميصه من دبر فانشق فى يدها و التقيا مع العزيز عند الباب

 

فقالت امرأة العزيز ان يوسف اراد بها سؤا و ضغطت على العزيز ليسجنه فقالت له (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) و قال يوسف انها راودته عن نفسه بالطبع كان العزيز يعلم جيدا بصدق يوسف لذلك احضر شاهد من اهل زوجته حتى يشهد عليها فقال هذا الشاهد (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلما رأى الايات و عرف بخطيئة ابنته فقال (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)

 

و رغم محاولة أهل امرأة العزيز تكتم الخبر و لكن سرعان ما عرف الخبر بعض النسوة فى المدينة و اخذوا يشهرون بها فقالوا إن امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه فقد شغفها حبا و إنها لفى ضلال مبين

 

فأرادت امرأة العزيز أن تحبط مكر هؤلاء النسوة فأرسلت لهن و اعتدت لهن متكئا و آتت كل واحدة منهن سكينا و قالت اخرج عليهن فأطاع يوسف سيدته مضطرا فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن فهن لم يرون مثل هذا الحسن على بشر من قبل و ملامح القوة و الوقار على وجهه تجعله كأنه ملاك كريم

 

فكادت لهن امرأة العزيز فالدماء التى على أيديهن و اثر الجرح الذى وسمهن و لن يفارقهن طوال حياتهن يشهد انه خلب عقولهن و لن يستطعن لومها بعد ذلك فقالت لهن ساخرة فذلك الذى لمتننى فيه و أعترفت لهن فى قسوة إنها راودته عن نفسه فاستعصم و إن لم يطيعها فيما تأمره به ليكونن من المسجونين

كأنها تقول لهن اقنعوا يوسف بما آمره فأصبحن شهداء عليها بعد اعترافها لهن انها من راودت يوسف عن نفسه و لكنهن لا يستطعن البوح باعترافها فاصبحن شركاء لها فى جريمتها فتكتمن الامر و راودنه عن نفسه بان دعوه الى طاعة سيدته حتى لا يدخل السجن و تركنه و لا يعلمن إن كان سيطيعها ام لا

وجد النبى كريم النفس نفسه معروضا امام مجموعة من النسوة المفتونين به و يراودنه ان يفعل ما تعفاه نفسه و الا دخل السجن فدعى ربه أن السجن احب إليه مما يدعونه إليه

 

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) سورة يوسف

 

فترك يوسف دفء القصر و دخل الى برودة السجن و رغم انه دعى بذلك فكان يشعر ان دخل السجن بتهمة ظالمة بشعة و كان امله الوحيد الأتصال بملك مصر ليحقق بنفسه فى قضيته و كان الملك فى الدولة المصرية القديمة يستمد شرعيته من الحفاظ على العدالة و التوازن او ما كان يعرف فى هذا الوقت بمبادئ ماعت فكان الملك هو المرجع الاخير للمظلومين

 

و كان فى فترة فيها صراع بين حكام الأقاليم و تمرد على الملك و اتهم الساقى و الخباز فى القصر بالتآمر عليه فسجنوا مع يوسف ثم افرج عن الساقى و قد علم قدرة يوسف على تفسير الأحلام فسأله يوسف ان يحكى قصته للملك فرجع الساقى الى القصر و لكنه نسى أمر يوسف

 

مكث يوسف فى السجن بضع سنين حتى استوى فرأى الملك حلما و أراد تفسيره فلم يجد من يستطيع تفسيره له فاخبره الساقى عن يوسف ففسر له يوسف الحلم فقال الملك (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) فرفض يوسف ان يقابل الملك الا بعد ان يحقق الملك ليعرف ما تخفين النسوة اللاتى قطعن ايديهن فاستدرج الملك النسوة كأنه يسألهن عن يوسف فقال لهن (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ؟ فيبدوا انهن كن من الساذجات يسهل الكيد لهن فقلن (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) فأقررن انهن من راود يوسف عن نفسه فبدء ظهور الحقيقة فاعترفت امرأة العزيز على نفسها و قالت (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)

و كان يوسف ما زال فى السجن و لم يكن مشاركا فى هذا الحوار فاطمئن الملك الى نبى الله يوسف و عرف قصته فقال (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) فوثق فى يوسف و توسم فيه الامانة فطلب منه يوسف ان يجعله على خزائن ارض مصر فاعطاها له الملك فاصبح يوسف عزيز مصر فتمكن فى ارضها و فتحت امامه الأرض على اتساعها بعد عزلة طويلة فرضت عليه ففى صباه كان أباه يخاف عليه فلا يرسله يرتع و يلعب ثم العزلة فى قصر العزيز ثم فى السجن فالأن يتنسم نسيم الحرية فيتبوأ فى الأرض حيث يشاء و كثر ترحاله بين البلاد و تعامله مع الناس فاحبه المصريين حبا شديدا و ازدادت شعبيته و هو الرجل الذى لم يروا مثله فى حسنه و كرم اخلاقه و اخذ يدعوا المقربين منه الى التوحيد بالله الواحد القهار و أكد لهم انهم لا يؤمنون بالله و لا باليوم الاخر لانهم قد اشركوا بالله فى الدنيا و جعلوا له شركاء حتى فى الاخرة فدعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له كما يعبده آبائه إبراهيم و إسحاق و يعقوب ما كانوا ليشركوا بالله من شئ

 

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) سورة يوسف

 

فكان مثلهم مثل كفار مكة فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم فرغم انهم كانوا يتعبدون الى الله رب البيت الحرام و لكنهم اشركوا به و لذلك اكد الله لهم انهم كافرون و لا يعبدون الله الذى يعبده محمد

 

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) سورة الكافرون

 

دخول بنى اسرائيل إلى مصر

اشتد القحط عند اخوة يوسف و ازدادوا فقرا يوما بعد يوم فذهبوا الى مصر للتجارة حتى يتزودوا بالطعام و جاؤوا ببضاعة مزجاة فعرفهم يوسف و اظهره الله على اخوته الذين القوه فى الجب سابقا فجاؤا اليوم يتوددون اليه و يطلبون منه الصدقة فصفح عنهم و احضر أبويه و اخوته و اهلهم اجمعين من البدو الى مصر فبعد ان طردوه بالأمس هو استقبلهم و رحب بهم اليوم

 

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) سورة يوسف

 

و استقبل النبى الكريم يوسف أبويه و أهلهم على حدود مصر فأدخلهم جميعا مصر رغم اجراءان الامن الصارمة على ابواب مصر فى هذا الوقت

 

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) سورة يوسف

 

و يبدوا ان الملك الشرعى قد قتل او مات بدون وريث فكانت البلد فى صراع و انقسامات و تفتت الى دويلات صغيرة كل دويلة لها ملكها الخاص و كل يطمع فى ملك مصر و كاى دولة اشتراكية فعند سقوط السلطة المركزية ظهرت فوضى عارمة و الاموال اصبح ليس لها صاحب فانتشر النهب و القتل و انقلبت الاحوال راسا على عقب فاغنياء الامس اصبحوا فقراء اليوم و الفقراء اصبحوا هم الاغنياء و انطلق الصرخات بإشعار تقطر حزنا و الما تدل على ما يحدث من اهوال فى مصر و كان يجب على نبى الله يوسف ان يفعل شئ فى هذه الفوضى فتمكن يوسف بفضل شعبيته الكبيرة فى مصر من رفع ابويه على عرش مصر و قد احب المصريين سيدنا يعقوب و وصفوه بالراعى الصالح الذى ليس فى قلبه شر و طالبوا اسرائيل ملك مصر ان يمد يده ليوحد البلاد

 

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) سورة يوسف

 

و جلس بنى اسرائيل على عرش مصر بدون حرب و تمكنوا من ارض الدلتا و شمال مصر و اطلق عليهم المصريين الملوك الرعاة (الهكسوس)

 

المعروف ان الهكسوس دخلوا مصر تسللا و ليس عن طريق حرب فيقول المؤرخ المصرى "مانيتون" عن أسباب سقوط مصر فى أيدى الهكسوس:

"إن الرعاة قد استولوا على مصر فى سهولة، واجتاحوها فى غير حرب، لأن المصريين كانوا يومئذ فى ثورة واضطراب"

 

و لا توجد اى اثار تاريخية توضح لنا كيف دخل هؤلاء الملوك الرعاة الى مصر و كيف تسللوا اليها رغم قوتها و الإجراءات الصارمة على ابواب مصر

 

فأصبح بنى اسرائيل هم الملوك (الرعاة) الذين ذكرهم سيدنا موسى فى الآية الكريمة

 

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) سورة المائدة

 

و بالطبع المقصود من (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) ليس ان جميعهم كانوا ملوكا بالفعل و لكن الواضح انهم جميعا اخذوا لقب الملوك و رغم كره الناس للقب الهكسوس فالواقع انه كان لقب فيه تكريم بان يطلق على مجموعة من البشر لقب الملوك

 

و كذلك أطلقت بلقيس على بنى اسرائيل بعد ذلك فى عصر سيدنا سليمان لقب الملوك

 

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) سورة النمل

 

و الهكسوس او الملوك الرعاة عرفوا بالأسرة الخامسة عشر و تمكنوا من حكم الدلتا و ما حولها فى حين حكمت اسرة مصرية جنوب مصر و هى الاسرة السابعة عشر و هذه الأسرة سيكون لها شأن كبير فى التاريخ المصرى بعد ذلك و كذلك حكمت أسرة اخرى شرق البلاد و هى ما تعرف بالاسرة السادسة عشر فكانت هناك ثلاث اسر حاكمة تحكم مصر فى عصر الهكسوس

 

و فى بداية حكمهم اظهروا بعض التسامح و انفتحوا على العالم فاقاموا علاقات جيدة مع ابناء عمومتهم فى الجزيرة العربية و استوردوا منهم الخيول و الاقواس و اقاموا كذلك علاقات قوية مع الحضارة المينوسية فى جزيرة كريت و هى حضارة اشتهرت بصناعة المعادن و علاقات جيدة مع القبائل فى ارض الشام و كانت تبرع كذلك فى صناعة البرونز و خصوصا فى الاراضى السورية بالإضافة الى علاقة حسن الجوار مع الاسرة السابعة عشر فى جنوب مصر و رغم التنافس على الحكم بينهما فكانت البلاد على اى حال منقسمة قبل مجئ الهكسوس فكانت العلاقات التجارية قائمة بينهما !!

 

و لكن بعد فترة وجيزة استعلى حكام الهكسوس فى الارض بعد ان تمكنوا من الحكم ففرضوا أنفسهم على الناس بالقوة العسكرية فكونوا جيشا قويا و تفننوا فى تسليحه فنقلوا عن العرب الخيول و الاقواس و لكن طوروها فظهرت العربات الحربية التى تجرها الخيول و نقلوا عن بلاد الشام تطور صناعة البرونز و التعدين فطوروا بها فى شكل رؤوس الاسهم و كذلك ظهرت اشكال متطورة من الدروع و الخوذ و الخناجر و السيوف البرونزية و النحاسية و حصنوا مدينة اواريس و هى كانت مدينة صغيرة بها معبد مصرى فهدوا المعبد و جعلوها مقر لحكمهم و حصنوها حتى اصبحت اواريس قلعة عسكرية كبيرة و اصبحت قاعدتهم التى تستخدم للنهب و استحلوا اموال المصريين ففرضوا عليهم الضرائب و سرقوا ماشيتهم و تسلطوا على الناس بطريقة لم تعهدها البلاد من قبل حتى ان ملكهم بعث الى حاكم طيبة سقنن رع يقول له  "أسكتوا أفراس الماء فى البحيرة الشرقية بطيبة، فضجيجها يحرمنى من النوم نهارى وليلى، وأصواتها تطن فى مسامع مدينتى"

و كانت القشة التى قسمت ظهر البعير حين تمكن جنود الملك سقنن رع من القبض على رسل من الهكسوس الى ملك النوبة يعرضون عليه التآمر على ملك طيبة و ان يشنوا عليه حرب مشتركة

 

فانقلب حكام طيبة على الملوك الرعاة و اشتعلت الحرب بينهم و بين امراء طيبة الذين طوروا اسلحتهم و اصبحت اكثر تطورا من اسلحة الهكسوس فظهرت عربات حربية اكبر من حيث الحجم و اخف فى الوزن و اكثر سرعة فيجرها زوج من الخيول مقابل عربات الهكسوس الصغيرة الثقيلة ذات الحصان الواحد و ظهرت اقواس اكبر من حيث الحجم و ابعد فى المدى و اصبح الجيش المصرى فى الجنوب اكثر قوة و اكثر تطورا فحاربهم الملك سقنن رع و استمر فى زحفه حتى سقط قتيلا و ضحى الملك بحياته فى سبيل وطنه ثم استلم منه الرايه ابنه الملك كاموس و استمر الزحف المصرى حتى سقط كاموس قتيلا و استلم الراية اخيه الملك احموس و استمر الزحف المصرى حتى تمكن بعد كفاح مشرف لهذه الاسرة الكريمة من اسقاط قلعة اواريس ثم هزيمة اخر قلاعهم فى شاروهين جنوب غزة و تقاسم الجنود الابطال اسرى الهكسوس عبيدا و فرض احمس سيطرته على كامل البلاد و تولى العرش مكونا الاسرة الثامنة عشر و انتقل مقر الحكم الى طيبة و تمنى ملوك الاسرة الثامنة عشر ان لا يبعث الله فى بنى اسرائيل رسول من بعد نبى الله يوسف يأخذ منهم الملك فهم كأفراد قوم منبوذين من المصريين و لكن سينقلب الحال اذا ما بعث الله فيهم رسول جديد

 

الأسرة الثامنة عشر

 

اهتم الملك احموس بالجيش اهتماما بالغا وغلب الطابع العسكرى على الطابع الدينى على الحكم فى مصر و افتقد التوازن الموجود سابقا بعد اول حالة احساس بالضعف يشعر بها الشعب المصرى و ضعف رجال الدين و تقلص دورهم امام القوة العسكرية التى اصبح لها الكلمة العليا فى مصر فتوسع الملك احموس لاول مرة الى خارج حدود مصر الشرقية و فتح ارض فلسطين

 

كان بدايه حكم الاسرة الثامنة عشر حكما عادلا و ازدهرت البلاد و لكن مع مرور الوقت تبدلت مبادئ ماعت للعدالة التى كانت تحكم الدولة من الملك الى الفلاح الى مبادئ العسكرية و القوة فكان حورس العسكرى هو من يهمس بحكمته فى اذن ملك مصر فالحاكم اصبح دوره الأساسى المحافظة على قوة مصر و محاربة قوى الشر

 

و استمر توسع المصريين الى خارج حدود بلادهم و جاء ملك مصرى من اعظم ملوك التاريخ و هو الملك الداهية تحتموس الثالث فاستكمل فتح بلاد الشام و ربطها برباط وثيق بمصر فاستقدم ابناء امراء الولايات الى مصر و علمهم فى مصر و قام بتربيتهم مع ابناؤه بنفسه فنشاؤا شديدى الولاء الى مصر و ملك مصر ثم رجعوا بعد ذلك الى بلادهم و تولوا حكمها و الدفاع عنها بانفسهم فاصبحت بلاد الشام و بيت المقدس جزء من الامبراطورية المصرية فيما يشبه الأتحاد بين ملوك من الاخوة الذين نشئوا فى بيت واحد فكانت امبراطورية موحدة و ليس احتلالا فازدادت الثروة كثيرا فى مصر و اصبحت مقبلة على عصر من ازهى عصور تاريخها

 

و رغم ان معظم ملوك هذه الاسرة كانوا من الحكماء البارزين بدأ باحموس الى القائد العسكرى حورمحب مرورا بامنحوتب الاول و تحتمس الثالث و غيرهم الا ان هذا الحكم العسكرى و غرور هذه القوة الهائلة التى اعدها هؤلاء الملوك جعل مصر بلد قوى بدون عقل فاعطى الحاكم سلطات واسعة فاصبحت ارضا خصبة لظهور اى مستبد طاغية

 

فجاء الملك امنحتب الثالث و اعتلى عرش مصر طفلا (ما بين 6 و 12 سنه) و تزوج الملكة تى فى السنة الثانية من حكمه و هى ليست من اصل ملكى فكانت ابنة النبيل يويا فأصبحت ملكة مصر و يعتقد البعض ان ابوى الملكة تى يويا و تويا ليسوا من اصل مصرى نظرا لتعدد الأخطاء الهجائية فى كتابة اسميهما مما يدل على انهم ليس لهم اسما مصريا

و ينجب الملك امنحتب الثالث من الملكة تى ابنهما امنحتب الرابع و تستولى الملكة تى على قلب الملك و تظهر دائما بجانبه بطريقة لم تعهدها البلاد من قبل

 

مصر وصلت الى اوج مجدها و يساند حكام المستعمرات المصرية فى الشام الموالين بقوة لمصر و امراء اشور و بابل و الحيثيين يتوددون الى ملك مصر الشاب و يرسلون بناتهم لينضموا الى حريم الملك و تفرض مصر بروتوكولاتها الملكية على دول العالم المتحضر

 

و تتوالى الانجازات و تشق قنوات و ترع عظيمة لم يعرف التاريخ مثلها و تنشئ الملكة تى بحيرة ترفيهية عند قصرها فى مدينة اخميم طولها 3700 ذراع و عرضها 700 ذراع فى السنة الحادية عشر من حكم الملك امنحتب الثالث و تحتفل بها فى قصرها

 

امنحتب الرابع كان سريع النمو و أصبح فتى فارع الطول و اظهر نضج فكرى مبكر و شخصية قوية كأنه انضج من ابيه و ساندته امه الملكة تى و اهلها بقوة و ينشاء امنحتب الرابع فى اخميم بعيدا عن ابيه الشاب الغارق فى ملذاته فى طيبة و يطلق امنحتب الرابع على نفسه لقب فرعون لأول مرة فى التاريخ المصرى و يتخذ اراضى شاسعة من فلسطين مزارع له يرعاها له حاكم فلسطين عبدو هبا و يمنع الناس المتذمرين من الاقتراب من ارض الفرعون

 

و يمرض الملك امنحتب الثالث و يبحث عن دواء لمرضه و لكنه لم يجد و فكان الفرعون امنحتب الرابع هو الحاكم الفعلى لمصر فى حياة ابيه الملك امنحتب الثالث

 

ما اهديكم الا سبيل الرشاد

 

امنحتب الرابع كان صاحب دعوة دينية تنافس دعوة التوحيد التى اتى بها يوسف عليه السلام فابتدع الها جديدا اسماه اتون تتشابه بعض صفاته مع الله سبحانه و تعالى و رمز له بقرص الشمس فقال ان آتون هو الإله الواحد الازلى خالق الكون و كانت هذه الصفات موجودة فى الديانة المصرية القديمة للاله بتاح فكان هو الاله الواحد الازلى خالق الكون بكلماته و هو الذى خلق باقى الآلهة و الذى سيبعث الخليقة بعد الموت و كان عرشه فى الفردوس و لكن اخناتون ادعى ان آتون الاله الواحد الذى يوجد بين الناس مثل اشعة الشمس و هو خالق الكون و ليس بتاح

و لكن اخناتون لم يستطع ان يضع تصورا لحياة البرزخ او للبعث و الحساب كما كان فى المعتقدات المصرية القديمة

 

فلم يتبعه الا قليلا من المجرمين و لكن تذمر باقى الناس خاصة كهنة آمون و اضمروا له العداء فسار أمنحتب الرابع و اتباعه و قام ببناء مدينه جديدة اسماها اخيتاتون و اقسم انه لن يترك ابدا هذه المدينة التى بناها على اساس طائفى لاول مرة فى التاريخ المصرى و اتخذ جيشا جعله لحماية نفسه و أهمل المستعمرات الأخرى و أسس جيشه من جنود من عدة أجناس مختلفة من غير المصريين لاول مرة فى التاريخ المصرى حتى يضمن ولائهم و سعى الى التفرقة بين الناس و بين الحكام فاوقع بينهم الفتنة فعادى بعضهم بعضا و اصبح كل حاكم يبعث رسالة الى فرعون يشتكى الحاكم الاخر و يشكك فى ولاؤه له

 

ما علمت لكم من اله غيرى

 

و فى وسط هذه الفرقة و التشرذم الذى ساد الشعب المصرى فادعى امنحتب الرابع فى السنه الرابعة من ملكه انه الروح الفاعلة لهذا الاله الواحد و اطلق على نفسه لقب اخناتون اى الروح الفاعلة للاله اتون فكان هذا اعلان الالوهية لنفسه و لنفسه فقط و لا احد غيره

 

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي

 

و اظهر شخصيتة الطاغية حتى ان احد حكام الشام ارسل رسالة اليه و مما جاء فيها "انت ملكى و سيدى و الهى انت الشمس التى اتت من السماء" , "ما انا الا مجرد كلب عندك و ما انا الا قذارة تحت قدميك"

 

و استضعف فرعون بنى اسرائيل و ساقهم لبناء مدينته فاضطهدهم اضطهادا شديدا و جعلهم طوع امره و ذبح ابنائهم الذكور حتى يضمن عدم ولادة هذا الرسول المنتظر

 

الأن فرعون فى مدينته الحصينه و وسط جيشه شديد الولاء و الأخبار تأتيه بان الناس متفرقون و لن تجتمع لهم كلمة و بنى إسرائيل تحت عينيه فى مدينته فما ان يظهر هذا الرسول فسيقوم بقتله بسهولة فهم قوم ضعفاء لا يقدرون على حماية احد و هم مكروهين من المصريين

 

و رغم كل هذه الاحتياطات فيجد فرعون امام قصره على ساحل اليم سلة فالتقطها ال فرعون و وجدوا بها طفل رضيع احبته زوجه فرعون الشابة حبا شديدا و تعلقت به فاتخذته ولدا فكان هذا الطفل هو الذى منه يحذرون و هو نبى الله موسى عليه السلام فشاء الله ان ينشأ فى قصر فرعون و يتولى الله رعايته و عكس ما توقع فرعون فسيستولى رجل من بنى اسرائيل على محبة الشعب المصرى

 

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) سورة طه

 

بعث الله رسوله موسى حتى يخرج ببنى اسرائيل من مصر الى بيت المقدس و كانت جزءا عزيزا من الدولة المصرية فى ذلك الوقت

فاوقف فرعون اضطهاد بنى اسرائيل مؤقتا و دعى موسى الى المناظرة للمقارنه بين اله موسى الواحد و اله فرعون الواحد محاولا ان يظهر موسى كأنه كذاب

فوقف فرعون يحيط به جنوده و الملأ من قومه فأتوا جميعا صفا واحدا فى تنسيق عجيب فيتكلمون و يسألون موسى بلسان رجل واحد

 

و فى الجهة المقابلة رسول الله موسى عليه السلام و معه اخاه هارون و لكن معهم الله سبحانه و تعالى فوقفوا شامخين فى مواجهة الطاغية

 

فسأله فرعون الاسئلة الأزلية التى يسألها كل فاسق يريد ان يضل الناس و كان واثقا ان موسى لن يستطيع الاجابة عليها فسأله ان يصف له الله و هو يعلم جيدا انه ليس كمثله شئ فكيف سيستطيع موسى الرد عليه و لكن اظهر الله سبحانه و تعالى موسى على فرعون فأنطلق لسانه ليشرح ايات الله فى كونه الدالة عليه سبحانه و تعالى فالخلق يدل على الخالق و عظمته سبحانه و تعالى ثم هاجم فرعون حتى اضمحل فرعون امام الناس و لم يجد ما يرد به الا اتهام موسى بالكفر و تهديده بالسجن ان اتخذ اله غيره

فتحداه موسى انه سيأتى بمعجزة من عند الله لا يستطيع فرعون إنكارها امام الناس فقبل فرعون التحدى

 

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) سورة الشعراء

 

فالقى موسى عصاه فأذا هى ثعبان مبين و اخرج يده من جيبه فأذا هى بيضاء للناظرين فبهت فرعون و لا يدرى ماذا يفعل لمواجهة هذه الآية فتنازل فرعون عن كبرياءه و ترجى موسى ان يناظره مرة اخرى حتى يجمع شتات امره فاصبح مثارا للسخرية و لا يصلح ان يكون الها واحدا بعد عجزه عن مواجهة رب موسى

 

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) سورة الشعراء

 

انا ربكم الاعلى

 

تكبر فرعون منعه من قبول الهزيمة و منى نفسه انه لابد سينتصر فى النهاية فهو لم يفشل فى شئ من قبل و لابد له من تدارك الأمر فتراجع عن فكرته انه الاله الاوحد فلم يعد يقول لا اله غيرى فقال بتعدد الالهة و لكنه هو الاله الاعلى و بحث جاهدا عن اعلم السحرة فى عصره و طمأنه السحرة انهم سينتصرون على موسى لا محاله فالسحر حرفتهم التى برعوا فيها فان كان الأمر سحرا فهو عليهم هين و لكن ما يهمهم هو الأجر الذى سيأخذوه من فرعون فان اخذوا الاجر فهم الغالبون

 

فأطمئن فرعون لهم و عجبه سحرهم بعدما رأى انهم تمكنوا من مضاهاة معجزة موسى و اصبح واثقا انه سينتصر على موسى و ينتقم منه و حشر الناس من مختلف مدن مصر حتى يصبحوا شاهدين على هزيمة رسول الله فاليوم هو يوم ظهور فرعون

 

فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) سورة النازعات

 

و صاح السحرة بعزة فرعون انا لغالبون و القوا حبالهم و عصيهم فخيل للناس انها حيات تسعى و اتوا بسحر عظيم فخاف موسى كيف تمكنوا من تحويل عصيانهم و حبالهم الى حيات تتحرك و تسعى امام عينيه فأوحى الله اليه لا تخف انك انت الاعلى فالقى موسى عصاه فأذا هى بثعبان هائل يلقف ما يأفكون فهزم موسى سحرة فرعون هزيمة منكرة اضاعت هيبة فرعون امام الناس تماما فهذه عزة فرعون قد اكلتها عصا موسى و سجد السحرة لرب العالمين رب موسى و هارون و كذٌبوا فرعون و قالوا ان ما فعلوه هو سحر أجبرهم عليه فرعون بعد ان اغتروا بماله و نفاقه لهم فكانوا مسلوبى الارادة مغيبى العقل فاصبحوا على ما فعلوا نادمين

 

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) سورة الشعراء

 

إنا فوقهم قاهرون

بهت فرعون مرة اخرى و جن جنونه بعد ذل الهزيمة فلم يعد يصلح لان يكون إلها واحد أو اله أعلى و لكنه لم ييأس فأن فشل فى حوار العقل فهو ما زال الأقوى بجيشه فلم يعد يهتم بأن يكون الها و هو ما كان يسعى له من قبل فلم يعد هذا ممكنا الان فاعترف انه ليس اله أعلى بل ان له آلهة مثل سائر البشر و لكن الأهم الان ان يحافظ على ملكه فلجأ إلى القوة و القهر فلا عقل و لا حوار بعد ذلك

 

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) سورة الأعراف

 

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) سورة الأعراف

 

فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) سورة غافر

 

حتى زوجته السيدة الكاملة اسيا التى اجبرها على الكفر فأبت الا الايمان فلم تنجوا من عذابه فصلبها دون شفقة الى ان لاقت ربها رضى الله عنها

 

فاخذهم الله هو و قومه بالسنين بعزلتهم فى مدينتهم و مقاطعة الناس لهم سنوات طويلة فى ايه كاول ملك مصرى يقاطعه الناس و يحتقروه و بور  ارضهم فلا تنتج الا القليل من الثمار و ارسل عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم حتى احسوا بوطئة العذاب فسالوا موسى ان يرفع عنهم العذاب حتى يؤمنوا له و يرسلوا معه بنى اسرائيل و لكنهم نكسوا عهدهم معه و قالوا ان هذا من سحر موسى فمكروا على الله و لكن الله خير الماكرين فسيمهلهم حتى حين

 

فأتفق موسى مع بنى اسرائيل فتجمعوا سرا و ساروا فى اتجاه مصدر لمياه الشرب حتى يسيروا بمحازاته و هى قناة سيزوستريس (اليم) فهى مصدرهم لمياه الشرب حتى يصلوا الى سيناء حيث سيستسقى موسى لقومه

فعلم فرعون بهروب بنى اسرائيل بعد ان حذرهم من مغادرة المدينة فجمع جيشه و خرج معه جميع الملا من قومه فلم يتخلف منهم احد طمعا فى رضاء فرعون عنهم و ارسل فى المدائن من يبرر للناس قتل موسى و بنى اسرائيل كأنه ضمن انه قاتلهم لا محالة فبنى اسرائيل فى مواجهتها عقبة كبيرة للوصول الى سيناء او بيت المقدس و هى قناة سيزوستريس فهى تغلق جميع الطرق امامهم و سيقعوا فى ايدى فرعون و سيقتلهم شر قتلة

 

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) سورة الشعراء

 

انا من المسلمين

و استطاع فرعون بخيوله و عرباته اللحاق ببنى اسرائيل و ظن بنو اسرائيل انهم مدركون حتى اذا اتوا الى البحر ففلق الله سبحانه و تعالى لموسى البحر فكان كل فرق كالطود العظيم فعبروا و من يتقى الله يجعل له مخرجا

 

فأنجاهم و اغرق فرعون و من اتبعه اجمعين فلم يبقى منهم احد على قيد الحياة

 

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) سورة الزخرف

 

كان فرعون يؤمن بوجود الله و لكنه عصى الله و العاصى هو من يعرف الله و يحاربه و ما كانت محاوراته لموسى و انكار وجود الله الا حرصا على الملك فنسى انه سيرجع الى الله ثم يحاسبه فكان عنده طول الأمل فى الدنيا و لكن عندما تحقق من الموت و قد ادركه الغرق بالفعل حاول التوبة و لكن فى وقت لا تنفع فيه التوبة فرجع جسدا ميتا فكان عودة جسد فرعون اية للمصريين

 

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} سورة يونس

 

و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون

ففرح المصريون المتذمرين و حطموا مدينه فرعون الخاوية و دمروا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون فلم يتركوا له اثرا الا و شوهوه او حرقوه ثم دفنوه شماتة فيه و كرها له و راى الناس هذا الطاغية يتحطم و يسقط و رجعت العاصمة الى مقرها الأصلى فى طيبة و هجرت مدينة اخيتاتون و انتهت و لم تسكن بعد ذلك الا فى عصر الاغريق فاعتبرها المصريون ارض لعنات فى اعجوبة احتار فيها الكثير من المؤرخين حتى الان

 

و طويت صفحة هؤلاء القوم من التاريخ و لم تبقى منها الا الذكرى و العظة بعد ان تحررت مصر من فرعون و جيشه فمات و أسقطوه فلم يذكروه فى قائمة ملوك مصر و سقط من التاريخ فلا يعلم احد متى او اين مات و ماذا كان عمره مثلما يعرف عن معظم ملوك مصر

 

و خرج منها بنوا اسرائيل الذين افسدوا فى ارضها كثيرا لتبدأ مصر فى تجميع شعبها من جديد و يعود التسامح الدينى و نبذوا الفرقة التى كانوا فيها

 

فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ {136} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ {137} سورة الأعراف

 

غرق فرعون امام عين بنى اسرائيل و هم له ناظرين و لكن مازال بيت المقدس الأرض التى بارك الله فيها مواليا لمصر و حكامها يدافعون عنها ضد ثورات جامحة اشعلها العبرانيين من اهل فلسطين ضد حكم فرعون و كان الله سبحانه و تعالى قد كتب لبنى اسرائيل انهم سيدخلون هذه الأرض المباركة رغم انهم كانوا كافرين فيجب اولا ان يصحبهم موسى حتى يؤمن بنى اسرائيل و من ثم يدخلون بيت المقدس

 

عناد بنى اسرائيل

التف بنوا اسرائيل حول موسى حتى ينجيهم من عذاب فرعون و بعد نجاة بنى اسرائيل و احساسهم بالأمان فما فعله اخوة يوسف مع اخيهم فعله بنى اسرائيل مع موسى فكل منهم تصور انه افضل من موسى فهم دائما يدعون انهم افضل امة و كل واحد فيهم يدعى انه افضل الناس و هذه هى عبادة الذات عندهم فحسدوه على تفضيله الله عليهم فعاندوه و حاربوه و تمنوا له الفشل فرجعوا الى شركهم و وجدوا قوم يعبدون صنم لهم فقالوا لموسى اجعل لنا صنما لنعبده و ما ان ذهب موسى لتلقى التوراه و تركهم اربعون يوما فرجع و قد فتنهم الله و اظهر خبثهم و كفرهم فكانوا قد سرقوا بعض الحلى من اهل مصر فجمعها السامرى و القى عليها شئ قد قبضه من اثر جبريل فتمثل لهم هذا الذهب فى شكل عجل له صوت فاعتقدوا بكفرهم ان الله قد مثل لهم صنما فعبدوه فغضب سيدنا موسى عليه السلام و قال اقتلوا انفسكم خير لكم و لكن غفر الله لهم و تاب عليهم و لكنهم قالوا بماديتهم و حبهم للأصنام اننا نريد ان نرى الله جهرة فأماتهم الله ثم احياهم و رفع الله فوقهم جبل الطور ليقوى ايمانهم فتابوا و لم يعودوا الى عبادة الأصنام بعدها و جاهد موسى لتجميعهم و تطهيرهم من الكفر فى رحلة طويلة بين قرى سيناء و مدين و انعم عليهم الله ان ظللهم بالغمام و انزل عليهم المن و السلوى و سرعان ما بدأت رحلتهم بأن مروا على قرية فى مصر فقال لهم موسى ادخلوا هذه القرية و كلوا من فضل الله حيث شئتم رغدا و تواضعوا لأهلها و قولوا الحسن من القول و لكن بعض الظالمين منهم فسق فى هذه القرية فانزل الله عليهم رجزا من السماء و خرجوا منها و استمرت رحلتهم و الله معهم يطعمهم و يسقيهم فاتبعهم الغمام يظلهم و اتبعهم المن و السلوى و لكنهم لم يشكروا الله بل لم يعجبهم هذا الطعام و قالوا لن نصبر على طعام واحد فيريدون طعاما مما تنبته الأرض فهم يريدون الأستقرار فى ارض قبل ان يأذن الله لهم فغضب الله على بنى اسرائيل بظلمهم و عدم شكرهم الى قيام الساعة و كتب عليهم أن لم يتوكلوا على الله للحظة لأذلهم للناس فسيظلوا طوال عمرهم فى ذل و احتياج للناس يتباكون لهم و لم يظلمهم الله فالله اعلم ببنى اسرائيل و فسقهم و انهم سيقتلون الأنبياء و سيفسدون فى الأرض

فنزلوا مصرا من الأمصار و استقروا فيها و رؤوا فيها العديد من ايات الله و عصوا الله كثيرا و غفر لهم كثيرا

 

فراق موسى لبنى اسرائيل

ثم امرهم الله ان يدخلوا بيت المقدس الاراضى المباركة التى اورثهم الله اياها من فرعون و قومه و ما كان فيها الا بعض الحكام الضعاف بالمقارنة مع جيش فرعون الذى اغرقه الله امام اعينهم و لكن خذلت بنى اسرائيل موسى فقالوا له جميعا ان فيها قوم جبارين فاذهب انت و ربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون فجاهد موسى و هارون لحثهم على القتال و اكدوا لهم فقط ادخلوا من الباب و سينصركم الله و لكن بدون فائدة فلا يوجد غير المماطلة و الرفض فوجد موسى نفسه وحيدا و لم يسانده فقط الا اخاه هارون امام بنى اسرائيل فحزن موسى على عدم اكمال مهمته و غضب عليهم فقد تحملهم كثيرا و لكن كانت هذه هى نهايته مع بنى اسرائيل فدعى الله أن يفرق بينه و بين القوم الفاسقين فحرم الله بيت المقدس على بنى اسرائيل اربعين سنه يتيهون فى الارض عقابا لهم و دخل موسى و هارون الى بيت المقدس بمفردهما امتثالا لامر الله و لم يحزن موسى على القوم الفاسقين

 

قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) سورة المائدة

 

التابوت و معركة طالوت الاسرائيلى و جالوت العبرانى

 

فمات موسى و هارون بعيدا عن بنى اسرائيل و هم لا يعلمون عنهم شيئا و بعد أربعين سنة صفح الله عنهم و اخرجهم من التيه و بعث لهم نبى و جعل الله عليهم طالوت ملكا و آتاهم بالتابوت فيه ما يطمئن قلوبهم و بقية مما ترك ال موسى و ال هارون تحمله الملائكة

 

وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) سورة البقرة

 

و فتح لهم طالوت بيت المقدس بعد معاناة كبيرة معهم و قتل داوود جالوت و انتقل بنو اسرائيل الى فلسطين عند ثانى بيت وضع للناس عند المسجد الاقصى و تمكنوا من عرش بيت المقدس و ازدهر الدين و العدل فى بيت المقدس تحت حكم داوود و سليمان عليهما السلام الذى بلغت قوته الى شئ لا يعقل ذهل منها ملوك الأرض و لم يجرؤ اى ملك ان يدعى انه ملك بحق و ان يكون له عرش و قد تضاءل بجوار سيدنا سليمان الملك الذى لن يعرف التاريخ مثله

ثم بعد ذلك افسد بنوا إسرائيل فى هذه الاراضى المباركة و علوا علوا كبيرا فلم يعرف بعدها بيت المقدس معنى السلام تحت حكم بنى اسرائيل و لكن فقط الخراب و الحرب و الدمار فيقاتلون فى سبيل الطاغوت و لا يقاتلون فى سبيل الله و هذا هو عهدهم

 

الاسرة التاسعة عشر

و فى هذه الاثناء كانت الاسرة الثامنة عشر كانت انقضت فى مصر بعد انهيار مفاجئ فى نظام الحكم و انفصال بلاد الشام عن مصر ثم استلم الحكم قائد عسكرى مرموق هو حورمحب قائد الجيش و هو الذى اعاد للعسكرية المصرية هيبتها و بلغ اعداد الجيش فى عصره حدا كبيرا و فى ظل هذه الدفعة القوية للقوة العسكرية فى مصر بدأت الاسرة التاسعة عشر فبدأ الملك العظيم سيتى الاول فتح بلاد الشام ثم استمر الملك رمسيس الثانى الذى تمكن من احكام السيطرة على كامل بلاد الشام ثم قام بقيادة عدة حملات لقتال الحيثيين و انتصر عليهم ثم ابرم مع خاتوسيليس الثالث ملك الحيثيين معاهدة سلام ما زالت النسخة الحثية محفوظة بمتحف الاثار باسطنبول

 

و كذلك ابن رمسيس مرن بتاح فقال فى لوحة اسرائيل المحفوظة بالمتحف المصرى انه ذهب الى ارض فلسطين و قتل الاسرائليين و لم يبقى لهم بذره

 

فغزوا بيت المقدس ثم قتلوا الإسرائيليين فقط فلم يتركوا منهم أحدا فانهارت دولتهم سريعا و تكاد تكون بدون تاريخ يذكر لهم

 
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) سورة الإسراء

 

فجاسوا خلال ديارهم (جاس بمعنى استكشف و بحث بدقة و منها مهنة الجساس و هو القائم بالتفتيش الذاتى فى بعض البلاد العربيه)اى بحثوا عن بنى اسرائيل من بيت الى بيت لقتلهم فيما يشبه التطهير العرقى لجنس معين

 

فاخرجهم الله جميعا من بيت المقدس و فر بنى اسرائيل الى بلاد الرافدين

 

و قال اليهود فى الاسر البابلى و هذا الاسر لا يقبله عقل ان ياسر شعب بنساؤه و اطفاله حتى يعملون فى بناء بابل بعد تدميرها على يد الاشوريين و نقلنا هذا الاسر فيما سبق عن اليهود و لم نكذبهم و نبوخذنصر (النطق الفارسى بختنصر) اشهر ملوك بابل على الاطلاق و هو صاحب الحدائق المعلقة احدى عجائب الدنيا السبعة و لكنى اعتقد ان اليهود فروا و انتشروا فى جميع بلاد الرافدين (بابل و اشور) قبل عصر نبوخذنصر بكثير و لا يوجد اى حديث نبوى او اثر مادى عن قصة بختنصر و الاسر البابلى بل من الواضح ان اليهود لا يعرفون لهم تاريخا و لا يعرفون كيف انتقلوا الى بابل و هذا ما يتضح من مؤلفات المؤرخ اليهودى يوسفيوس فى عصر الاغريق الذى كان يبحث عن ما هى اصول بنى اسرائيل و اقترح انهم كانوا هم الهكسوس

 

طريق العودة بدأ من نينوى

و فى بلاد الرفدين ارسل الله لهم العديد من الرسل حتى يصلحوا من حالهم فمعظم انبياء بنى اسرائيل ظهروا فى بابل و اشور

و فى هذه الفترة تغير حال بابل و اشور بعد ان كانت دول مسالمة فلم تعرف بعدها طعم السلام فاشتعلت حروب غير طبيعية بين بابل و اشور و عيلام(جنوب غرب ايران و الاهواز حاليا) و الميديون (شمال غرب ايران حاليا) ثم انطلق الاشوريين من عاصمتهم نينوى يغزون العالم فانتصر الاشوريين على البابليين و اتجهوا بعد غزوهم لبابل لغزو بلاد الشام و مصر و تمكنوا من ذلك فى عصر الاسرة المصرية الخامسة و العشرون و هى اسرة من اصل نوبى فاستطاع سرجون ثم شلمناصر من غزو سوريا ثم طرد الملك الاشورى سنحاريب المصريين من جميع بلاد الشام بعد مواجهة مباشرة مع الملك المصرى شبيتكو و سجل الملك سنحاريب انتصاره على المصريين و النوبيين فى بلاد الشام على حجر تايلور (محفوظة بالمتحف البريطانى) و سجل الغنائم التى اخذها منهم و كذلك ذكر هذه الحرب الشهيرة بين سنحاريب و شبيتكو المؤرخ هيرودت (رغم اننى لا ااخذ غالبا من هذا المؤرخ و لكنها موقعة مشهورة تاريخيا) و ذكر ان جيش شبيتكو لم يكن من المحاربين و لكن من التجار و الفنانين ثم استمر زحف الاشوريين و انتصر الملك الاشورى اشور بانيبال على الملك المصرى طهرقا و تمكنه من غزو مصر ثم اطلق على نفسه بعد ذلك ملك الكون بعد ان هيمن الاشوريين على العالم القديم

ثم تمكن الملك المصرى بسماتيك الاول ثانى ملوك الاسرة السادسة و العشرون من طردهم من مصر و بلاد الشام ثم بعد ذلك اختفت اشور من على الخارطة تماما على يد الملك البابلى نبوخذنصر الذى استولى على اشور ثم توجه لمحاربة الملك المصرى نخاو الثانى فى موقعة قرقميش على حدود اشور و انتصر البابليين و استولوا على بلاد الشام من المصريين ثم حاول نبوخذ نصر غزو مصر و لكنه انسحب امام الملك المصرى احمس الثانى

 

و فى وسط هذه المعمعة كانت اعين اليهود على العودة الى بيت المقدس و كانت الدولة الفارسية قد بدأت فى الازدهار فى هذا الوقت و جميع دول العالم القديم قد بدأت فى الضعف فاستنفر اليهود قورش الفارسى ليفتح لهم بيت المقدس و كان الثمن ان يحاربوا معه و يمكنوه من بابل فحارب اليهود و نفيرهم الفرس و عاثوا فى بابل قتلا و فسادا فانتقلوا من قرية الى قرية يقتلون اهلها حتى قضوا عليها تماما و استمروا وراء الفرس يدفعونهم حتى دخل المجوس بيت المقدس و سمحوا لهم بالاقامة فيها تحت الحكم الفارسى المجوسى

 
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) سورة الاسراء

 

و واصل الفرس الزحف حتى تمكنوا من غزو مصر و ربما شاركهم حلفائهم اليهود انتقاما من مصر ففتحوها بقيادة قمبيز المجوسى و عاثوا فيها قتلا و فسادا فتتبعوا العلماء و رجال الدين من بلد الى بلد لقتلهم و أحرقوا ما وصلت ايديهم اليه من كتب و مخطوطات و تمكنوا من ذلك و استمرت الامبراطورية الفارسية فىحكم مصر بهمجية فترة مظلمة من التاريخ حتى جعلوها خرابا لا تقوم لها قائمة بعد ذلك فاندثرت علوم متقدمة و لم تكتشف حتى الان مثل الهندسة و الكيمياء و الفلسفة بعد موت كبار العلماء و لم يتبقى منها الا الفتات الى ان تمكن اخيرا اميرتى من طرد الفرس و اصبح ملك مصر و لكن بعد ان بلغ الضعف بمصر مبلغا و انتشرت فيها الخرافات و اصبحت مطمعا للغزاة

 

انهيار الدولة المصرية القديمة

فجاء الاسكندر فاحتل بيت المقدس و منها اتجه الى مصر فأحتلها و كتب شهادة وفاة هذه الحضارة بيده فأحتلها أسوأ انواع الاحتلال فكان هناك العديد من المهاجرين الاغريق مقيمين فى مصر قبل قدوم الاسكندر مما سهل مهمته فجعلوا مصر بعد قدوم الاسكندر بلدا اغريقيا و انشئوا مدينة الاسكندرية الميناء الذى يصدر الحضارة المصرية الى اوروبا ثم هاجر العديد من اليهود و سجل لهم التاريخ وجودا كبيرا فى مدينة الاسكندرية

 

و تمكن الاغريق من فرض الحروف اليونانية على اللغة المصرية حتى نسى المصريين تاريخهم المكتوب بالحروف القديمة و اطلقوا اسم اجبتيوس على مصر و هو الاسم الذى اطلقه الشاعر الاغريقى هوميروس على مصر لاسباب غير معروفة و تولى بعد ذلك علماء الأغريق قيادة الفكر و الفلسفة و الدين فى مصر فأصبحت كيانا لا يمت لماضى مصر بصلة و فقد المصريين هويتهم و ذاكراتهم التاريخية

ثم اتى الرومان بعد ان ازدهرت الحضارة فى اوروبا فاحتلوا القدس ثم اعتنقوا المسيحية و اضطهدوا اليهود و ساموهم سؤ العذاب فطردوهم من فلسطين و ذبحوهم فى الاسكندرية فكانت نهاية اليهود البائسة و المستحقة جزاء وفاقا لسوء عملهم

و كذلك اصبح توريد العبيد المصريين الى بلاد الرومان امرا مألوفا حتى اصبحت كلمة قبطى عند الرومان مرادفا لكلمة عبد

 

بعث خاتم الانبياء صلى الله عليه و سلم

و فى هذا الوقت فى شبه الجزيرة العربية كانت هناك امة جديدة قد تكونت و هم ابناء رسول الله إسماعيل و أهله فتناسلوا و ازدادوا عددا و عمروا الارض عند بيت الله الحرام يوحدون بالله و يكرمون حجيج هذا البيت الذى امر ابراهيم الناس بالحج اليه و اصبحوا امة عظيمة و لكن اشتعلت الحروب فى المنطقة لم يكن للمستعربين ذنب فيها و لكن بدأها العاربة من الجراهمة و العماليق لكنهم تفرقوا اقواما يتربص بعضهم لبعض و اصبحوا اعداء و كانوا اصحاب حمية و بأس شديد و لم يورثوا حلم أبيهم إسماعيل فزادت همجيتهم و جاهليتهم حتى اصبحوا على وشك الانهيار

و تربص لهم الشيطان فاغواهم فعبدوا الاصنام بعد ان اتى بها عمر بن لحى الخزاعى من الشام فى عهد الإغريق و هو لم يكن من المستعربين ايضا و لكنهم  وضعوها حول الكعبة فبارك الله لهم و امطرهم بعد ان اختفى بئر زمزم اثناء الحروب ففتنوا و ظهر ضعف ايمانهم فاستذلهم الشيطان حتى نسوا ما هو البعث و ما هو الحساب و لا يدرون ما الجنة و ما النار و لكن كان شاغلهم جمع المال و التفاخر بانسابهم و بطولاتهم فى القتال و قتل العباد

 

و انتقل بنو اسرائيل بفسادهم الى ارض إسماعيل فى شبه الجزيرة العربيه منتظرين ان يبعث الله خاتم الرسل المذكور عندهم فى التوراة فاثاروا الفتنة بين القبائل و بنوا حصونهم و تسلحوا و اصبحوا منتظرين هذا الرسول الذى سيفتح لهم هذه الارض

 

فسدت الارض و الفساد يعلوا يوما بعد يوم فالمؤمنون الصادقون فى النصارى قلة قليلة تائهون يبحثون عن الحقيقة و لا يجدونها و لا يعرفون لها طريقا فأجتهدوا و ابتدعوا اشياء لم يكتبها الله عليهم ليتقربوا بها الى الله و الاصنام تعبد من دون الله و البعض الاخر يعبد النار و الكواكب و اندثرت العلوم و الحضارات القديمة و اختفى العدل و يسيطر الهمج على العالم و هم الفرس من المجوس و الروم من المسيحيين تنطلق جحافلهم فى ارجاء الارض شرقا و غربا يفتحون البلاد بالقوة و يستعبدون شعوبها و يداس الانسان تحت اقدام افيال الفرس و طعاما لأسود الروم و أصبحت رائحة الدماء و الظلم تفوح فى ارجاء الارض شرقا و غربا و اصبحت الشياطين تمشى مطمئنة بين الناس يتمثلون لهم و يضلونهم و يسترقون السمع الى الملائكة فى السماء فيعرفون ما يستعبدون به من فى الأرض فى اكثر عصور الارض جاهلية

فى هذا الجو الذى يغشوه الظلام و فى مكة ولد لبنى هاشم و هم اشراف قريش و خير ذرية إسماعيل ولد كريم النسب و لكنه يتيم قليل المال هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم

مواضيع ذات صلة

أمة محمد و بنى اسرائيل

أسرار أنبياء الله ابراهيم و يعقوب و يوسف و موسى فى مصر